السياسية || محمد محسن الجوهري*

منذ أن تولّى سلمان بن عبدالعزيز الحكم مطلع عام 2015، دخلت المملكة السعودية في دوامة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم يعرفها المواطن السعودي من قبل. ولعلّ أبسط دليل على ذلك الارتفاع الجنوني في الأسعار، حيث صارت السلع الأساسية تضاعف قيمتها في سنوات معدودة. ويكفي أن نتأمل في سعر دبّة البترول (20 لتراً) الذي ارتفع من 9 ريالات إلى ما يزيد عن 50 ريالاً، أي بزيادة تجاوزت خمسة أضعاف، في بلد يُعد أكبر مصدر للنفط في العالم! هذا التناقض الصارخ كشف للمواطن أن الثروة الهائلة لا تعود عليه بخير، بل تحولت إلى أداة لنهب جيبه وإثقال كاهله بالضرائب والرسوم التي لم يعرفها من قبل.

فمن ضريبة القيمة المضافة إلى ما يسمى برسوم الخدمات الحكومية، ومن رسوم المقيمين إلى الرسوم المتكررة على العقارات والأنشطة التجارية، أصبح المواطن السعودي محاصراً من كل اتجاه. وقد اعترف كثير من المراقبين بأن هذا التوجه لم يكن إلا استجابةً مباشرة لإملاءات المؤسسات المالية الغربية وصندوق النقد الدولي، الذي يفرض على الدول التابعة وصفات "الإصلاح الاقتصادي" القاتلة، والتي لا تخدم سوى المصالح الأجنبية.

أما في ما يتعلق بالحرمين الشريفين، فقد تحولت شعائر الحج والعمرة من عبادةٍ خالصة لله إلى مشروع استثماري ضخم تُدار حساباته في البورصات، حيث ارتفعت أسعار الخدمات والإقامات بشكل مبالغ فيه. واليوم، يقف المسلم من أقصى الأرض محتاراً: هل يذهب لأداء الفريضة الخامسة أم يحجم عنها لأن تكلفتها تفوق مدخرات العمر؟ هذا التشويه المتعمد لمقاصد الشعيرة لا يهدف إلا لتحويلها إلى مصدر دخل لخزينة الدولة التي صارت تُدار كشركة ربحية، بدل أن تكون حاضنةً للأمة ومهوى أفئدة المسلمين.

الأنكى من ذلك أن هذه العوائد الضخمة لا تنعكس على حياة المواطن، ولا تدخل في بناء اقتصاد حقيقي مستقل، بل تُحوَّل إلى مشاريع خارجية وصفقات سلاح بعشرات المليارات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى باتت السعودية أكبر مستورد للسلاح في المنطقة، في وقتٍ يتسول فيه المواطن فرص العمل ويعاني الشباب من البطالة وتراجع مستوى المعيشة.

لهذا لم يعد غريباً أن تسمع السعوديين اليوم يترحمون على أيام الملك عبدالله وفهد، حيث كان الاستقرار الاقتصادي أفضل نسبياً، وحيث كان المواطن يجد متنفساً في ظل دعم الدولة للوقود والكهرباء والمواد الغذائية. صحيح أن الفساد كان قائماً، لكن الأوضاع المعيشية لم تصل إلى هذا الانهيار الذي جعل الشعب اليوم يترقب بقلق أي قرار اقتصادي جديد، وهو يعلم مسبقاً أن جيبه سيكون الهدف الأول.

إن تجربة العقد الأخير من حكم سلمان وولي عهده أثبتت أن المملكة لم تعد دولة ذات سيادة اقتصادية، وإنما مجرد خزان مالي مفتوح لتلبية حاجات الغرب، وسوق استهلاكي ضخم يدر الأرباح للشركات الأجنبية. أما المواطن، فهو الخاسر الأكبر، لا نصيب له إلا الغلاء والضرائب والوعود الوردية التي تتبخر في الهواء.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب