لا فرق بين لحية هرتزل أو لحية الزنداني
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تطابق المواقف السياسية بين حزبي الليكود والإصلاح ليس وليد لحظة عابرة، بل هو نتيجة حتمية لمسار طويل من التلاقح العقائدي بين الفئتين المتطرفتين. فمنذ تأسيس حزب الإصلاح عام 1990 في أعقاب إعلان الوحدة اليمنية، ظهر الحزب كنسخة محلية من جماعة الإخوان المسلمين، متكئًا على فتاوى زعمائه وفي مقدمتهم عبدالمجيد الزنداني الذي مثّل المرجعية الفكرية والدينية للحزب. ومنذ تلك اللحظة، كان واضحًا أن الإصلاح لا ينطلق من مشروع وطني مستقل، بل من أجندة مرتهنة للتحالفات الخارجية التي تتقاطع مصالحها في النهاية مع المشروع الصهيوني.
الزنداني، الذي تحوّل إلى ما يشبه "الحاخام الأكبر ليهود اليمن"، أفتى يومًا بحرمة معاداة اليهود أو لعنهم، في تناقض صارخ مع نصوص القرآن والسيرة، بينما لم يتردد في إباحة دماء كل مسلم يتحرك لمواجهة مخططات الهيمنة الأمريكية–الإسرائيلية. ولعل أخطر ما في مسيرة الإصلاح أنه لم يكن مجرد تيار سياسي يتبنى خطابًا براغماتيًا، بل حركة ذات بُعد ديني تبرّر مواقفها بغطاء "الشرع"، كما فعلت العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، حينما استند الحزب إلى فتاوى الزنداني لاستدعاء الدعم الأمريكي والسعودي ضد شركاء الوطن.
ومنذ التأسيس، ظل الإصلاح يتقاطع في مواقفه مع الليكود الإسرائيلي بصورة لافتة. فحين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، لم نجد من الإصلاح موقفًا داعمًا للمقاومة، بل انشغالًا بتصوير كل مواجهة مع العدو الصهيوني كجزء من "الصراع المذهبي" بين السنة والشيعة، وهو الخطاب ذاته الذي روجت له "إسرائيل" في إعلامها. وعندما شن الكيان الصهيوني عدوانه على لبنان عام 2006، كان الإصلاح مشغولًا بتكفير المقاومة اللبنانية واتهامها بالعمالة لإيران، في انسجام تام مع سردية الليكود التي أرادت ضرب أي تعاطف عربي مع حزب الله.
أما في حروب غزة المتعاقبة، فقد برزت المواقف المتماهية بوضوح: في 2014 و2021، كان إعلام الإصلاح ينتقد صواريخ المقاومة أكثر مما يدين المجازر الصهيونية، متذرعًا بالبعد الطائفي وبالحسابات السياسية المرتبطة بتحالفاته الإقليمية مع تركيا وقطر والسعودية، وكلها دول تربطها خيوط خفية أو معلنة مع تل أبيب.
والأدهى من ذلك أن مواقف الإصلاح في الداخل اليمني بعد طوفان الأقصى كشفت عن عمق التطابق مع المشروع الصهيوني. فبينما كانت الطائرات الأمريكية والإسرائيلية تقصف صنعاء وصعدة والحديدة، كان الإصلاح يتصدر مشهد التحريض والشرعنة الدينية للعدوان، معتبرًا أن مواجهة أنصار الله أهم من مواجهة الكيان الصهيوني. وهنا يظهر جوهر التطابق: كلاهما –الإصلاح والليكود– يعتبر أن العدو الحقيقي هو كل قوة مقاومة للمشروع الأمريكي–الإسرائيلي، سواء في فلسطين أو في اليمن.
وبهذا، فإن لحية هرتزل مؤسس الصهيونية لا تختلف عن لحية الزنداني مؤسس المرجعية الفكرية للإصلاح؛ كلاهما مثّل مرجعًا لعقيدة منحرفة تبرّر الخيانة وتشرعن قتل الأحرار، أحدهما تحت لافتة "وعد إلهي" مزعوم، والآخر تحت راية "فتوى شرعية" مدفوعة الثمن.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب

