بين البحر والعطش.. الغزّيون يواجهون الموت بصمت
السياسية - تقـــــرير:
في غزة المحاصرة، لم يعد البحر وجهة للراحة أو متنفسًا للناس، بل تحول إلى خزان ماء مالح يلجأ إليه الغزيون يائسِين بعد أن حُرموا من أبسط مقومات الحياة.
هناك، على الشاطئ الغربي، تصطف العائلات يوميًا تحمل جالونات فارغة، تملؤها من البحر رغم الأمراض والأخطار، في مشهد يلخص مأساة إنسانية تتفاقم تحت القصف والحصار الصهيوني.
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة تحت حرب ضروس حوّلت حياتهم إلى مأساة متواصلة، وكان نصيب المياه من هذه الحرب فادحًا.
فمع القصف المتعمد للبنية التحتية وتدمير الآبار وشبكات المياه والصرف الصحي، بات الحصول على الماء تحديًا يوميًا يفوق طاقة البشر.
يقول عادل الخطيب، من مخيم الشاطئ لـ صحيفة (فلسطين): "مياه البلدية مقطوعة منذ أسابيع، وحتى مياه الشرب لا نجدها بسهولة. ثمن الجالون الواحد يصل إلى ستة شواكل، والمشكلة الأكبر هي المياه التي نحتاجها للنظافة، فهي غير متوفرة إطلاقًا."
ومع انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود، توقفت مولدات الآبار ومحطات التحلية، وأصبح البحر الخيار الوحيد لآلاف العائلات التي لجأت إليه مضطرة، رغم ما يحمله من أمراض جلدية ومعوية، ومخاطر بيئية وصحية جسيمة.
كريم زقوت، نازح من حي الشجاعية، يصف الوضع قائلًا: "نذهب يوميًا إلى شاطئ البحر لملء جالونات المياه، نستخدمها للغسيل فقط. حتى مياه الشرب غير متوفرة. الأطفال يمرضون، والأواني لا تُغسل بشكل صحي. الوضع لا يُحتمل."
لم يقتصر الأمر على أزمة المياه، بل تضاعفت الكارثة مع نزوح آلاف العائلات من شرق غزة إلى الغرب والمناطق الساحلية هربًا من القصف، ما زاد الضغط على المخيمات والبنية التحتية المنهكة.
وبرغم الدعوات للنزوح جنوبًا، فإن أكثر من مليون فلسطيني تشبثوا بأرضهم ورفضوا مغادرتها، في تحدٍ صريح للتهجير القسري.
يؤكد إبراهيم فرحات (30 عامًا) أن ما يحدث هو استخدام متعمد للمياه كسلاح حرب: "هذه جريمة حرب مكتملة الأركان. العدو الإسرائيلي يريد إجبارنا على الرحيل عبر العطش. نطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري، وإعادة تشغيل الآبار وتوفير الوقود للمضخات. ما يجري هنا إبادة بطيئة."
ليس لجوء الغزيين إلى مياه البحر خيارًا بديلًا أو ترفًا، بل صورة دامغة لواقع فرض بالقوة والحصار والقصف. ومع غياب التدخل الدولي الفعّال، يلوح في الأفق شبح كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة، تهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين.
اليوم، في غزة الماء لم يعد حقًا طبيعيًا، بل رفاهية لا يملكها الجميع. وفيما تواصل آلة الحرب الصهيونية الإسرائيلية هدم مقومات الحياة، يظل البحر شاهدًا على شعب يطرق أبوابه لا حبًا فيه، بل يسحقهم العطش والقهر تدريجيًا.

