د. شعفل علي عمير*

الاستباحة الصهيونية ليست سوى عرض لمرض عميق أصاب جسد الأُمَّــة، ألا وهو الرضا بالهوان والضعف أمام التحديات الوجودية. هذا الهوان يتجسد في تراجع القيم الإنسانية، وضعف الروابط الثقافية والدينية التي كانت تجمع الأُمَّــة.


تعدّ العربدة الصهيونية تجسيدًا لحالة الخذلان والهوان التي استسلمت لها الأُمَّــة العربية والإسلامية.

إن الأحداث المتسارعة في فلسطين تُعتبر حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الظلم والاضطهاد، تشمل التهجير القسري للسكان، والاستيطان غير الشرعي، والاعتداءات المُستمرّة على الأماكن المقدسة. ومع استمرار هذه الانتهاكات الفظيعة، نجد أن ردود الفعل العربية والإسلامية غالبًا ما تقتصر على الإدانة السطحية والبيانات الغاضبة، مما يثير تساؤلات عميقة حول فعالية هذه الردود وأثرها على واقع الفلسطينيين المؤلم.

ولفهم تعقيدات هذا الملف، يجب العودة إلى الجذور التاريخية للصراع العربي-الإسرائيلي، والتي تمتد لسنوات عديدة منذ انطلاق المشروع الصهيوني في فلسطين، حَيثُ ارتكبت العديد من القوى الإقليمية والدولية أخطاء جسيمة أسهمت في تعميق الأزمة. وفي السياق نفسه، تظل مواقف الدول العربية والإسلامية أحيانًا محكومة بتجاذبات سياسية وعلاقات دبلوماسية مع القوى الكبرى، مما يزيد من حالة الجمود والتراجع.

تُعدّ حالة اللامبالاة التي تسود الساحة العربية إحدى الأسباب الرئيسية وراء استمرار العربدة الاستباحة الصهيونية. في زمن تفاقمت فيه السيادة القطرية على حساب السيادة الوطنية والجماعية، وتراجع التعاون العربي الحقيقي في القضايا الكبرى المتعلقة بالأمن القومي والحقوق المشروعة، ليصبح ضمن أطر شكلية لا تتناول جوهر المشكلة. هذا التراجع في الجهود الجماعية أتاح للكيان الصهيوني تطبيق سياساته القمعية دون خوف من ردع، بينما يُوفر التجاهل الدولي والتواطؤ الواضح أَو الضمني من بعض القوى الكبرى لـ كيان الاحتلال الصهيوني الضوء الأخضر لاستمرار انتهاكاتها في فلسطين ولبنان وغيرها من الدول العربية، تحت غطاء مزعوم من الشرعية.

إذا كان الرد الرسمي يعاني من الشلل لأسباب متعددة، فإن هذه الوضعية تحمل مسؤولية جديدة على عاتق المجتمع المدني والدبلوماسية الشعبيّة. فالعمل المجتمعي والدولي غير الرسمي يمكن أن يُحدث تأثيرا كَبيرًا. تعتبر القضية الفلسطينية جوهر القضايا العالقة للأُمَّـة، ومن خلال تفعيل مبادرات شعبيّة تحمل أصوات الشعوب الحرة، يمكن جذب الانتباه العالمي إلى معاناة الفلسطينيين وتسليط الضوء على مسؤولية القوى المحتلّة. فالتراجع في الجهود الجماعية يُمكن الكيان الصهيوني من التمادي أكثر في تطبيق سياساته القمعية بأقل قدر من الردع، بينما يُوفر التجاهل الدولي والتواطؤ الواضح أَو الضمني من بعض القوى العالمية لـ (إسرائيل) الضوء الأخضر لاستمرار انتهاكاتها تحت غطاء مزعوم من شرعية الدفاع عن النفس.

إن الاستباحة الصهيونية ليست سوى عرض لمرض عميق أصاب جسد الأُمَّــة، ألا وهو الرضا بالهوان والضعف أمام التحديات الوجودية. هذا الهوان يتجسد في تراجع القيم الإنسانية، وضعف الروابط الثقافية والدينية التي كانت تجمع الأُمَّــة.

إن التحرّر من حالة الركود والتباعد يتطلب جُهدًا واعيًا ومخطّطا من جميع أفراد الأُمَّــة ومؤسّساتها، لمواجهة ما يحدث في فلسطين ووضع حَــدّ لتمادي الكيان الصهيوني، واستعادة القدرة على التأثير في مجريات الأمور. وفي عالم تتغير فيه موازين القوى باستمرار، تتحمل الشعوب مسؤولية العمل على تصحيح المسار، وإبراز الحقائق التاريخية والواقعية التي تم تجاهلها على مر السنين.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت