الدوحة تحت القصف الصهيوني: اختبار وجودي لمجلس التعاون
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في مساء الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، أقدم الكيان الصهيوني على شن غارات جوية غير مسبوقة على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفًا قيادات بارزة لحركة حماس في حي "كتارا"، في أكبر انتهاك للسيادة الخليجية منذ حرب الخليج الثانية (1990-1991). هذا التطور الخطير يضع دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحدٍ وجودي لم تشهده منذ تأسيس المجلس عام 1981؛ فإما أن تتعامل مع الاعتداء وفق منطق الردع المشترك كما فعلت في مواجهة غزو العراق للكويت، أو أن تستسلم للأمر الواقع وتُسقط عمليًا ما تبقى من شعارات السيادة والاستقلال، وعندها يفقد قادة المجلس حقهم الأخلاقي والسياسي في الحديث عن أي تعاون مشترك أو دفاع جماعي.
ومن المعروف أن دول الخليج، في قمة المنامة ديسمبر 2000، أقرّت اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون، التي نصّت صراحة على أن «أي اعتداء على دولة عضو هو اعتداء على جميع الدول الأعضاء»، وهو نص مستوحى من مبادئ الأمن الجماعي التي شكّلت أساس حلف الناتو، بل كانت الدافع وراء إنشاء "قوات درع الجزيرة" عام 1984. وقد طُبّقت هذه المعادلة بالفعل في أزمات سابقة، أبرزها التدخل العسكري الخليجي بقيادة السعودية في البحرين عام 2011، حين اعتُبر الحراك الشعبي تهديدًا مباشرًا لأمن دول المجلس. فكيف يُبرَّر الصمت اليوم أمام اعتداء خارجي سافر على عاصمة خليجية؟
إن المفارقة الكبرى تكمن في أن دول الخليج التي طالما رفعت شعار "حماية السيادة الوطنية" في وجه إيران أو في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بل وذهبت إلى حدّ تجريم أي تعاطف شعبي معها، تجد نفسها الآن أمام اختبار واقعي وحقيقي للسيادة ذاتها. فهل كانت تلك السرديات مجرد ذريعة لتمرير سياسات التطبيع والتحالف مع العدو، بينما تُسقط أمام أول اختبار عملي؟
فالتاريخ القريب يوفّر شواهد لا يمكن إنكارها؛ فعندما غزا العراق الكويت عام 1990، سارعت دول الخليج إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة وحلفائها، لتُشن حرب "عاصفة الصحراء" التي انتهت بتحرير الكويت خلال أسابيع. وفي عام 2019، حين تعرضت منشآت "أرامكو" في بقيق وخريص لهجوم نوعي بالطائرات المسيّرة، ارتفعت الأصوات الخليجية والدولية آنذاك معتبرة أن ما جرى يمسّ السيادة ويهدد الاقتصاد العالمي. أما اليوم، ومع قصف الدوحة من قبل الكيان الصهيوني، فإن السؤال يطرح نفسه بحدة أكبر: هل سيادة الخليج تُستدعى فقط عندما يكون الخصم هو إيران أو اليمن أو حركات المقاومة، بينما تُغضّ الأبصار إذا كان المعتدي هو الحليف الجديد الذي فتحت له العواصم الخليجية أبواب التطبيع على مصراعيها؟
لقد أصبح مجلس التعاون أمام لحظة حاسمة: فإما أن يترجم مواد اتفاقياته الأمنية إلى فعلٍ عملي يردع العدوان الصهيوني، أو أن يكتفي ببيانات تنديد شكلية لن تُغيّر من واقع انكشافه الاستراتيجي شيئًا. والتاريخ لا يرحم؛ فالأمة العربية، ومعها الرأي العام الإسلامي، سيسجل أن الخليج الذي طالما ادّعى حماية السيادة والكرامة، سكت عن قصف عاصمته بيد العدو ذاته الذي يقصف غزة وبيروت ودمشق وصنعاء.
لقد صمتت عواصم الخليج طويلًا عن جرائم الكيان الصهيوني في غزة، واكتفت ببيانات باهتة أو مواقف شكلية لا تغيّر من واقع الحصار والقتل شيئًا، بل إن بعضها انخرط في التطبيع وفتح الأبواب أمام العدو ليتغلغل في اقتصاده وأمنه وسياساته. غير أن المشهد اليوم بات مختلفًا؛ فالقصف الذي كان يُطال مخيمات غزة وأبراجها السكنية وصل إلى عاصمة خليجية مطبّعة، ليؤكد أن سياسة الصمت لم تكن سبيلًا لحماية الأمن، بل كانت مدخلًا لانكشافه. فالعدو الذي لم يتورع عن قتل الأطفال في فلسطين لن يتردد في قصف العواصم التي فتحت له أبوابها، وهو ما يجعل الحديث عن "الأمن مقابل التطبيع" مجرد وهم سرعان ما تهاوى تحت صواريخ الغدر.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب

