السياســـية || صادق سريع *


القرآن الكريم كتاب الله الخالد، وأصل الدين وبرهان الرسالة المحمدية، ومنبع التوحيد وملاذ الموحدين، ومنهاج المؤمنين وزاد المتقين، ومصدر شرائع السماء وتشريعات الأرض، وتاريخ الكون والتكون، وحبل النجاة المتين ورمز عزة الأمة.

من المفاهيم السياسية القرآنية: الشورى، ومبادئ الحكم الرشيد، والعدل والمساواة، والقضاء في الفصل في قضايا الأمة وفق أحكام الفقه وقوانين الشريعة الإسلامية، حيث قدّم القرآن في آياته حلولًا شاملة تمثل دستورًا متكاملًا لتنظيم الحياة الإنسانية الاجتماعية والسياسية في كل تفاصيلها الدقيقة، بموجب قانون العدل الإلهي في الفصل بين الناس في محاكم القضاء والصلح الاجتماعي.

وفي عالم الاقتصاد، يقدم القرآن مفاهيم عصرية لا حصر لها في إدارة التعاملات، وتنظيم العلاقات التجارية، وآليات البيع والشراء، والموارد والإنفاق والنفقات المالية والعينية، وتحريم المغالاة والبخس وتطفيف الموازين والربا والغش والاحتكار التجاري، وفق قواعد اقتصادية شرعية عادلة كمنهج متكامل لتنظيم المنظومة الاقتصادية على مبدأ العدل والتراحم والتكافل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المجالين الزراعي والصناعي، لتحقيق الأمن الغذائي الشامل ورفاهية المجتمعات الإسلامية.

وركّز في مجمل مقاصده وتوجيهاته القرآنية على مبدأ الاحترام للشخصية وذاتها وجوهرها الإنساني، وتعزيز ثقتها بالنفس بالوعي الرباني والثقافة القرآنية، وتكوين الشخصية الإنسانية المدنية والعسكرية بأجمل الصفات الأخلاقية والإيمانية والعلمية والمعرفية والثقافة الجهادية وفق التعاليم القرآنية وآداب السيرة النبوية.

وحث على تحصين الفرد والمجتمع من كيد الثقافات الخبيثة، ونصرة الحق ضد الباطل، وحب الجهاد في سبيل الله ونشر الدعوة المحمدية والاستعداد لمواجهة الأعداء والغزاة، حتى تكون كلمة الله هي العليا، تنفيذًا للأمر الإلهي في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال ٦٠).

كيف لا! والقرآن هو العلم وبحر العلوم الذي لا يُدرك غورُه، والكلام الفصيح الذي بهرت بلاغتُه العقولَ، وهو دستور كل زمان ومكان، وتقويم تاريخ الأمم وعصارة تجارب البشر منذ خلق الإنسان وبداية الكون، وإليه يعود الفضل في تقنين كل تفاصيل الحياة باعتباره المنهج السماوي المتكامل.

وهو المعجزة الخالدة بجمال بلاغته وإعجاز فصاحته، وتفاصيل معانيه وأحكام آياته، وفي القيم الإنسانية، الخُلق والأخلاق والآداب والعلوم والمعارف والعبادات والتعاملات والثقافات، يقول الله تعالى في سورة إبراهيم:
{الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.

وهو أيضاً، البيان والمرجع الأساس في الحلال والحرام والمحرّم والمباح في دين الإسلام، وبتفاصيل دقيقة في كل التعاملات الحياتية، ومصدر الإلهام الرباني لبناء وتقويم الشخصية الإسلامية، وتزكية النفس والإنسانية وتطهيرها بالقيم الإيمانية النبيلة والثقافة الروحانية، كون القرآن الكريم المعلّم والموجّه والمربي والقدوة الحسنة، والرقيب والحسيب الرباني للفرد والمجتمع.

للعلم في القرآن والإسلام شأن عظيم، إذ أنزل الله جلّ ثناؤه على نبيه الكريم محمد ﷺ كلمة "اقرأ"، كأول كلمة بصيغة الأمر في أول سور القرآن، وهي سورة العلق، بتعلّم العلم والقراءة والكتابة، والتقرب لله بالسجود في الصلاة، كونه النزول الوحيد الذي يرفع العبد المسلم، فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) ... كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٨)}.

ومن أبلغ الكلام عن القرآن الكريم قول خير الأنام -صلوات الله عليه وعلى آله:
"القرآن الكريم كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي قال عنه الجن: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم".

صدقت يا رسول الله -عليك الصلاة والسلام وعلى آلك وأصحابك أجمعين.

• المقال يعبر عن رأي الكاتب