خريطة نيويورك تايمز 2013.. خمس دول عربية في عين العاصفة التقسيمية
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في سبتمبر 2013، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خارطة لخمس دول عربية هي اليمن والسعودية وسورية والعراق وليبيا، وقد تم تقسيمها إلى 14 دولة لاعتبارات طائفية، بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائهم من الأنظمة العربية.
ورغم أن الحديث عن مؤامرة لتقسيم دول الطوق لفلسطين شائع وقديم جداً، وكذلك الحال بالنسبة لليمن وليبيا لما للدولتين من تاريخ طويل من العداء للغرب وللصهاينة، إلا أن الأغرب أن السعودية نفسها، الحليف الأقرب لواشنطن، ليست بمنأى عن مشروع التقسيم الذي سيجعل منها خمس دويلات متناحرة. وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن من أبرز دوافع التقسيم الخلافات الحادة داخل الجيل الثالث من الأسرة الحاكمة، إضافة إلى اعتبارات أخرى طائفية وقبلية واقتصادية.
أما العراق وسورية فسيتم تقسيمهما إلى خمس كيانات: الدولة العلوية (علوي ستان)، وكردستان الموحدة (شمال العراق وشمال شرق سورية)، والدولة السنية (سنة ستان) التي تضم المناطق السنية في وسط العراق، ودولة «شيعة ستان» في جنوب العراق. وبالنسبة لليبيا، فستُقسم إلى ثلاث دول لاعتبارات غير معلومة، وهي دولة طرابلس، ودولة برقة، ودولة فزان.
وفي اليمن، اقترحت الخطة العودة إلى مرحلة ما قبل 22 مايو 1990، أي إعادة التشطير بين الشمال والجنوب، لكن مع إضافة خطوة "استفتاء" في الجنوب على الانفصال – استفتاء تصفه الصحيفة بأنه محسوم سلفاً لصالح الانفصال، نتيجة ما وصفته بـ"تهيئة المزاج الشعبي" عبر الإعلام الغربي والعربي المتحالف معه، لإقناع الشارع الجنوبي بأن الانفصال هو الخيار الأفضل. والمثير أن الخطة لم تتحدث عن أي استفتاءات مماثلة ترافق تقسيم المملكة أو العراق أو سورية أو ليبيا، وهو ما يثير التساؤلات حول الانتقائية في تطبيق مفهوم "حق تقرير المصير".
هذا الطرح لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لمشروع قديم يتكرر ظهوره في الأدبيات الغربية، بدءاً من خرائط "سايكس–بيكو" عام 1916 التي قسمت المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا، مروراً بوثيقة "برنارد لويس" في ثمانينيات القرن الماضي، والتي اقترحت تفتيت العالم العربي إلى كيانات عرقية ومذهبية صغيرة يسهل التحكم بها. الخرائط التي نشرتها الصحيفة الأمريكية أعادت إلى الأذهان هذه التصورات، لكنها جاءت بعد سلسلة أحداث كبرى هزّت المنطقة منذ تاريخ نشرها قبل 12 عاماً، ما جعل الأمر يبدو وكأنه انتقال من النظرية إلى التطبيق.
إن النظر إلى هذه الخريطة في سياق أوسع يكشف عن خيط ناظم يجمع بين مختلف المشاريع الغربية في المنطقة، من "الفوضى الخلاقة" التي بشّرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عام 2006، إلى الدعم الإعلامي والسياسي لحركات انفصالية في أكثر من بلد عربي، وصولاً إلى رعاية صراعات داخلية ذات أبعاد طائفية. هذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ "فرّق تسد"، حيث يُنظر إلى الدول العربية الكبيرة الموحدة كتهديد محتمل، بينما الكيانات الصغيرة المتناحرة تكون أضعف وأيسر للتحكم والسيطرة.
وللتذكير، ففي العام 2013 لم يكن هناك حديث عن تجزئة سورية، وكان الإعلام العربي يروّج لثورة لإسقاط الدولة السورية دون تقديم بدائل عنها، لكن الإعلام سرعان ما وظّف الطائفية في البلاد، خاصةً عبر قناة الجزيرة، وصرنا نسمع عن ظلم العلويين وهيمنتهم على سائر الطوائف السورية، وهو أمر لا صحة له من الأساس، فالنظام السوري لم يكن طائفياً على الإطلاق، ولكن رغبة الغرب ترى في الطائفية وسيلة سهلة لتفتيت الشعوب وتجزئتها.
وبالفعل، فقد مارس النظام الجديد في سورية القمع الطائفي منذ أيامه الأولى في السلطة، فتارةً يهاجم العلويين وتارةً شركاء الثورة من الدروز، وكل ذلك بدوافع طائفية معلنة، الأمر الذي دفع أبناء الطائفتين إلى المطالبة بالانفصال عن سورية وتأسيس دول صغيرة آمنة تحت حماية الكيان الصهيوني.
ويبدو أن أحمد الشرع، حاكم سورية التكفيري، ملتزم بالمخطط حرفياً، فإجرامه لا يطال أحداً سوى الأقليات السورية، بينما علاقاته مع الكيان مستمرة وتمضي حسب ما هو مخطط، ولم يتبق سوى نزع سلاح حزب الله حتى تصبح المنطقة برمتها صالحة للمخطط الإسرائيلي، حيث لا خوف من سلاح أي طرف دون حزب الله، أما سائر الطوائف فسلاحها يخدم المصالح الصهيونية، وبه سيتم نزع سلاح أي طرف يعادي إسرائيل، كما هدد المندوب الأمريكي إلى سورية ولبنان عندما توعّد الأخيرة بسلاح الأولى في حال تجاهلت حزب الله وترسانته العسكرية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

