السياســـية: صادق سريع*


بينما يستمر العدو الصهيوني في إبادة غزة بالقتل والحصار والتجويع، تواصل الأنظمة العربية الانبطاح والهرولة إلى أحضان "إسرائيل" كماشة اتفاقات "السلام الإبراهيمي" المزعوم، يقف اليمن وحيداً في موقع الدولة العظمى، يفرض القرارات والمعادلات في البحر والجو في معركة إسناد غزة ضد المشروع الصهيوني.

وفي ظل تشديد خناق حرب التجويع التي تفتك بأهل غزة، تواصل الدول المحسوبة على العرب والإسلام، مثلما تستميت أنظمة الإمارات والسعودية والأردن ومصر وتركيا، في إمداد الكيان المجرم بالغذاء والسلاح براً وجواً وبحراً، في محاولات يائسة لكسر الحصار البحري الذي يفرضه اليمن على ملاحة "إسرائيل" وكل الشركات والسفن البحرية المرتبطة بها في أي بحار تطالها أسلحة قواته المسلحة، عبر هجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة على مطاراتها وموانئها.

وفي الوقت الذي فرض فيه اليمن نفسه كقوة مؤثرة في قلب وواقع الصراع العربي -الإسرائيلي والعربي- الغربي والمنطقة، وبات يفرض قرارات جريئة كمعادلات عسكرية وسياسية على كيان الاحتلال وقوى الاستعمار (أمريكا ودول أوروبا)، لا تجرؤ الأنظمة العربية والإسلامية الـ57 حتى على التفوّه أو الإشارة إلى إدخال رغيف خبز واحد عبر معبر رفح الفلسطيني المغلق، لإنقاذ مليوني ونصف المليون جائع في قطاع غزة.

ومع استمرار الأنظمة العربية والإسلامية بأقذر أشكال الضغط لنزع سلاح المقاومة في غزة ولبنان، يرسل رئيس حكومة الكيان، النتن ياهو، رسائل صهيونية واضحة إلى أنظمة السعودية والكويت ولبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق وتركيا، مفادها أن أراضيكم ستنقل قريباً إلى ملكية مشروع "إسرائيل الكبرى".

وهكذا قال النتن ياهو بكل وضوح للنظام العربي الرسمي وشعوبه، لعله يفهم حدود أهدافه التلمودية: "أنا في مهمة تاريخية وروحانية مرتبطة برؤية 'إسرائيل الكبرى'". أراد أن يقول للعرب إن حلم إقامة المشروع اليهودي بين النهرين "النيل والفرات"، الذي وصفه للمرة الأولى بـ"المهمة التاريخية"، قادم.

فحينما تحدث النتن، عندما كان ممثلاً لـ"إسرائيل" في الأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، عن مشروع حلم "إسرائيل الكبرى" بضم أجزاء من مصر والأردن، اعتبر العالم حديثه رأياً شخصياً، لا مشروعاً مستقبلياً للكيان اليهودي.

وعندما كتب عن حلم "إسرائيل الكبرى" في مذكراته وطموحه الشخصي بتوسيع جغرافية الكيان الصهيوني باقتطاع أجزاء من أراضي مصر والأردن، اعتبروا كلامه مزايدة انتخابية ومجرد خواطر وجدانية وأضغاث أحلام يستحيل تحققها على أرض الواقع.

وفي 12 أغسطس 2025، أعاد النتن تذكير العرب بأن حلم مشروع إقامة "إسرائيل الكبرى" لم يكن مجرد أحلام يقظة، بل مشروع صهيوني ينفذ وفق خطط مزمنة وخطوات مدروسة وإجراءات عملية، لتغيير خارطة الشرق الأوسط، بما يفوق أبعاد الصراع الجيوسياسي المكشوفة بوعد بلفور عام 1917، والقادم أخبث.

وبينما لا يزال النظام المصري يطلب من حكومة الاحتلال توضيحاً أدق لتصريحات النتن، عبر النظام الأردني عن قلقه وإدانته، واصفاً التصريحات النتنياوية بالتصعيد والتهديد الاستفزازي الخطير لسيادة الدول، باعتباره انتهاكاً للقوانين الدولية والمواثيق الأممية، في رد يعبِّر عن ثقة نظام الملك عبدالله الثاني بسجل "إسرائيل" الحافل في احترام القرارات والمعاهدات الدولية.

وانتهى مفعول ردة الفعل الغاضبة للنظام السعودي ببيان إدانة خجول على لسان وزارة الخارجية، قالت فيه: "ندين بأشد العبارات تصريح رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال ما يسمى رؤية 'إسرائيل الكبرى'، مؤكدة الرفض التام للأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي يتبناها الاحتلال الإسرائيلي".

وتستمر النبوءات التلمودية في استكمال مشروع السيطرة الكاملة على ما تبقى من أرض فلسطين، بإعلان وزير مالية كيان الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، في اليوم التالي 13 أغسطس 2025، بدء تنفيذ الخطة الاستيطانية "E1"، لبناء 3,400 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس المحتلة، في خطوة توسعية تهدف إلى قطع الجغرافيا بين مدينتي رام الله وبيت لحم، وعزل مدينة القدس عن المحيط الفلسطيني، ضمن مخططات الضم والتهجير الاحتلالية لتصفية القضية الفلسطينية وأرض فلسطين وأبناء شعبها.

والآن، من يفهم أنظمة الخليج في السعودية والإمارات وقطر والبحرين، أن جياع غزة أحق بالعون، وأن مواقف المقاومة في غزة ("حماس" و"الجهاد الإسلامي") في الدفاع عن الأمة وضد الاحتلال وأطماعه التي ستطال ثلث أراضي السعودية وكل الكويت، أحق بالدعم والإسناد من "طالبان" و"داعش" و"جبهة النصرة" ومرتزقة اليمن والسودان والصومال وليبيا، المغدقة بأموال الخليج وأسلحة واشنطن وآلاف المقاتلين المؤدلجين بفتاوى السلطة المقدّسة!؟

إذاً، هي حرب دينية تلمودية لا مفر منها، بالقتل والتجويع والتهجير للفلسطينيين، وتغيير خارطة المنطقة وتهويد هويتها العربية والإسلامية، في حين يتكفل العرب المستعربون بمحاربة حركات المقاومة ونزع سلاحها، وما عساهم فاعلون!؟

* المقال يعبِّر عن رأي الكاتب