السياسية || محمد محسن الجوهري*

رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل هي قصة رمزية تسخر من الأنظمة الديكتاتورية، تدور أحداثها في مزرعة تتمرد فيها الحيوانات على صاحبها البشري أملًا في إقامة نظام عادل ومساوٍ لجميع الحيوانات، لكن سرعان ما يستولي الخنزير "نابوليون" على السلطة، ويؤسس حكماً استبدادياً يُقصي رفاقه، ويستعبدهم باسم الثورة، مستخدمًا الكذب والدعاية (عبر شخصية سكويلر) وخداع الحيوانات البسيطة مثل الحصان "بوكسر". في النهاية، تتحالف الخنازير مع البشر لقمع الحيوانات، في تجسيد لانحراف الثورات وتحولها إلى نسخة أخرى من الطغيان.

ورغم تباين الواقع والشخصيات إلا أن المسار يتشابه إلى حدٍ كبير بين "مزرعة الحيوان" وقصة الثورة السورية بقيادة أحمد الشرع، الجولاني سابقاً، فقد فقدت الأخيرة شرعيتها مبكراً وتحالفت مع العدو الأول، ليس لسورية فقط، بل لكل الأمة الإسلامية، مع الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويبيد أهل غزة، إلا أن الشرع في سورية كما الخنزير نابوليون في الرواية التي تشير إلى أن السيد بيلكنغتون (Mr. Pilkington) وهو مالك مزرعة فوكسوود (Foxwood) المعادية، والمسؤول عن ذبح الكثير من الحيوانات الموالية لنابوليون.

هذا المسار المأساوي يجد صدى واضحًا في تجربة الثورة السورية. فرغم ما يُروج له من انطلاقة نبيلة ضد الاستبداد في البلاد ولتحرير فلسطين، ما لبثت أن وقعت في فخاخ المشاريع المتناحرة بقيادة الشرع، الذي ما لبث أن شن حروب إبادة ضد الشعب السوري بدءً من الساحل وحتى الدروز في الجنوب، وحالياً يستعد لمهاجمة الأكراد بنفس الطريقة، وهي انحرافات تكاد تطابق الأحداث التي رسمها أورويل.

نابوليون، القائد الذي اختطف الثورة في الرواية، أو أحمد الشرع في سورية، بدأ في صف الثورة، رافعًا راية الحرية والكرامة، لكنه ما لبث أن أسس لنفسه سلطة مطلقة أقصت الفصائل الأخرى، وأقام أجهزة أمنية، وسيطر على المال والإعلام، وحالف دولًا وقوى خارجية، تمامًا كما فعل نابوليون الذي انقلب على مبادئ الثورة الحيوانية، وأسس لدولة بوليسية جديدة بلون مختلف. أما شخصية "بوكسر"، الحصان القوي المخلص، فهي تمثل آلاف المقاتلين السوريين البسطاء.

بوكسر لم يكن يفهم التعقيدات السياسية، لكنه عمل بإخلاص وقال دائمًا: "سأعمل بجهد أكبر" و"نابوليون دائمًا على حق". وقد استُنزف حتى الموت، ثم رُمي به إلى المسلخ عندما انتهى دوره. الثوار البسطاء أيضًا، من حملوا السلاح بصدق، وبذلوا أرواحهم من أجل الكرامة، تم تهميشهم وقتلهم وسجنهم، ولم يجنوا سوى الخذلان. من نجوا منهم وجدوا أنفسهم مقموعين أو مجبرين على القتال في معارك لا يعلمون أهدافها.

ويبقى "سكويلر"، الخنزير المتحدث باسم النظام الجديد، والذي يُتقن فن التبرير، ويقلب الحقائق بالكلمات، مرآة رمزية مثالية للإعلامي فيصل القاسم. فقد لعب سكويلر دورًا رئيسيًا في خداع باقي الحيوانات، وتجميل صورة نابوليون، وتفسير الفشل على أنه نصر. كذلك كان فيصل القاسم، الذي تصدّر المشهد الإعلامي العربي، محرّضًا حينًا، ومروّجًا لأجندات بعينها حينًا آخر، ثم صامتًا في الوقت الذي كانت الثورة تُذبح فيه. فبدل أن يكون الإعلام صوتًا للثوار، صار أداة بيد سلطات بديلة، تصنع الأبطال الزائفين، وتخرس الأصوات الصادقة، حتى وصل الوجع إلى مسقط رأسه وأبيدت عشيرته وطائفته بمقصلة الثورة التي روج لها كثيراً وأنكر إجرامها.

هكذا، تتقاطع مصائر شخصيات "مزرعة الحيوان" مع رموز الثورة السورية؛ حيث يتحول القائد إلى ديكتاتور، والمقاتل المخلص إلى ضحية، والإعلامي إلى بوق تضليل. تنتهي الرواية بمشهد صادم: الخنازير تجلس مع البشر على طاولة واحدة، لا يُعرف من منهم الحيوان ومن الإنسان. مشهد يذكرنا بلقاءات بعض "قادة الثورة" اليوم مع مسؤولين صهاينة في أذربيجان وعواصم أخرى، باسم الواقعية السياسية، بعد أن ذبحوا أحلام البسطاء خلف الكواليس.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب