السياســـية: صادق سريع*

ما أحوج الأمة اليوم إلى تطبيق تعاليم القرآن وأحكامه وثقافته القرآنية لتحصينها من الثقافات الوضيعة، والتصدي لحملات الصهيو - صليبية ومؤامرات القوى الاستعمارية التي تُحيك مخططاتها الخبيثة ضد الإسلام وتستهدف عقيدته الإسلامية ومبادئه الإيمانية السامية والأخلاقية المتجذرة في أعماق المجتمع العربي والإسلامي.

فلا حرية ولا عدل ولا استقلال ولا استقلالية ولا تطوّر ولا نهضة ولا عزة ولا كرامة ولا جهاد ولا قوة ولا انتصار إلا بتحويل تعاليم الكلام الرباني المُنزل على أطهر الخلق إلى واقع يومي كما أُنزل في القرآن الكريم، البيان والتبيان العظيم المحفوظ إلى أن يرث الله الكون، كونه الواحة الإيمانية للمسلم، والحصانة الروحية والثقافية، والمرجعية الدستورية للبشرية، والمنهاج الإلهي المنظم لكل مجالات الحياة.

من تلك العظمة القرآنية، رسم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي خارطة فكرية وتنموية ونهضوية إستراتيجية وعملية برؤية حضرية وحضارية ومستقبلية باسم "المشروع القرآني" على أسس قرآنية في كل المجالات الدينية والدنيوية (السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والأخلاقية والدعوية والجهادية شاملة كل فروعها واختصاصاتها)، لإخراج الأمة وشعوبها العربية والإسلامية من النفق المظلم الذي تعيشه اليوم.

فالقرآن في فكره وثقافته القرآنية ليس فقط قراءته وتلاوته، وإنما تدبر معانيه وفهم مقاصده وتنفيذ أحكام آياته القرآنية على الواقع العملي، كونه أساس بناء الشخصية والمجتمع ونهضة شعوب الأمة، وأصل العلوم ومنبع فروعها، وسيد الثقافات الإنسانية، والمشروع الرباني لنهضة الأمة.

وفق رؤيته، القرآن هو المرجع العلمي والشرعي والثقافي والتنموي لكل المجالات الحياتية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، وأن الولاء لله ورسوله وعباده المؤمنين الصادقين، لا لأعداء الأمة، مع وجوب مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مسلم ومسلمة، وأن يُمارس وفقًا للمبادئ السامية للدين الإسلامي الحنيف وأحكام شريعته الغراء.

في مشروعه القرآني، لم يكتفِ الشهيد الحوثي بالتحذير من سموم حملات الغزو الفكري والثقافي الصهيو - صليبية الغربية التي تستهدف تدمير الهوية الوطنية والقومية والإسلامية، بل دعا إلى تحصين أبناء الأمة من خبث الفكر الهدام وآفات الثقافات المنحطة ومخاطر الحروب الناعمة على الفرد والأسرة والمجتمع الإسلامي ككل، بتعزيز الوعي المعرفي، وتحصين الأمة بثقافة القرآن، والتمسك بالقيم الإسلامية.

لذا جاءت أطروحات المشروع القرآني بمثابة "المنقذ الأمين" للأمة وحاضرها ومستقبل أجيالها القادمة من الضياع في عالم الخضوع والمهانة والعمالة، والتيه والضياع في ظلمات قوى الشر ومخططات قوى الاستعمار وأدوات الخيانة المتأسلمين الذين جعلوا أنفسهم خدامًا لأنظمة الشر الغربية ضد مجتمعاتهم الإسلامية.

ومن الأهداف العميقة في صلب مشروع الشهيد، بناء الشخصية الإنسانية لمواجهة التحديات وفق أسس تعليمية وتربوية وثقافية مستوحاة من القرآن وأحكامه الربانية ومبادئه الأخلاقية السامية التي تنظم الحياة المثالية على مستوى الفرد والمجتمع والبشرية أجمع، وفي بيئة إيمانية محمدية آمنة.

وماذا أيضًا؟ قدم مشروعه القرآني مشروعًا سياسيًا مهمًا لبناء المجتمع السياسي العادل وفق قيم ومبادئ ومفاهيم وأخلاقيات العمل السياسي القرآني بضوابط شرعية وأخلاقية منظمة بين الحاكم والمحكوم على أساس العدل والشورى والمساواة في إطار منظومة الحكم الرشيد، ما يعزز الشراكة السياسية الفعالة والمسؤولة بمشاركة كل شرائح وأطياف المجتمع دون استثناء.

واستشعارًا بالمسؤولية والانتماء الديني والإيماني والوطني، قدّم الشهيد رضوان الله عليه في مشروعه القرآني قراءة شاملة للواقع بمصفوفة تحليلات زمنية دقيقة للماضي والحاضر والمستقبل كمحذرات للأمة من المخاطر المحدقة ضمن سلسلة مؤامرات عدوانية هدفها الوصول إلى الهيمنة الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية برعاية أمّ الإرهاب العالمي أمريكا، سواء بسيطرة القوة الناعمة على العقل والقرار أو باحتلال الأرض بالقوة العسكرية بعذر الحماية أو التحالفات العسكرية، في ظل غياب سلاح الوعي الذي هو العلم والمعرفة وجهاد النفس والكلمة والمقاومة السلاح.

الرسالة الأخلاقية العالمية السامية التي أراد إيصالها المشروع القرآني الإنساني للشهيد الحوثي إلى الأمة أجمع، كانت الدعوة القرآنية الداعية إلى وحدة الشعوب الإسلامية، والتسامح والتعايش السلمي على أساس العدالة والمساواة والإنصاف، ونبذ الكراهية وتجاوز الخلافات المذهبية والطائفية التي صدرتها دول الاستعمار الغربي لتفريق وإضعاف شعوب الأمة.

*المقال يعبِّر عن رأي الكاتب