السلفي ربيع المدخلي.. شيخ الطاعة المطلقة للصهيونية وعملائها
                    السياسية || محمد محسن الجوهري*   
هلك مؤخراً الشيخ السلفي المدعو "ربيع المدخلي" أحد رموز الفتنة الطائفية ودعاة التطبيع، وأبرز من دعا إلى تقديس الحكام إذا كانوا في خدمة البيت الأبيض كآل سعود، وفي هلاكه عبرة لأنصاره ممن شمتوا في استشهاد قادة الجهاد والمقاومة في فلسطين لبنان، وكانوا دعاة تصهين لا دعاة دين، كما عرفناهم على القنوات الرسمية في الخليج المتصهين، وقد حظيت أفكار المدخلي بدعمٍ غربي وعربي كبيرين، لما لتلك الأفكار من تأثير على الشباب المسلم وثنيه عن الجهاد من جهة، ودعوته لهم بالانخراط في الفتن الطائفية والاقتتال الداخلي خدمةً للمشروع الصهيوني.
وقد اعتبر النظام السعودي المدخلي معياراً للدين وشيوخه في السعودية، وحذر من مخالفته، لما لأفكاره من تقديس علني للحكام وتماهٍ مع المشروع الصهيوني في المنطقة وهو بذلك أثبت أنه شخصية وظيفية خطيرة في مواجهة الأمة الإسلامية وتبرير التحالفات مع أعدائها.
ومما اشتهر به المدخلي دعوته للشباب المسلم للقتال في أفغانستان لما لذلك من خدمة للمصالح الأمريكية في زمن الحرب الباردة، كما عُرف بفتواه الشهيرة التي أجازت الاستعانة بالقوات الأمريكية في حرب الخليج، وهي الفتوى التي تسببت بمقتل مئات الآلاف من الشعب العراق ولا تزال آثارها قائمة هناك حتى اليوم.
ينتمي المدخلي إلى ما يُعرف بالسلفية التقليدية، لكنه تجاوز ذلك ليؤسس تيارًا أصبح يُعرف بـ"المدخلية"، تيارٌ يتبنّى طاعة ولي الأمر طاعةً مطلقة، ويُحرّم حتى مجرد انتقاده، ويصف كل من يدعو إلى الإصلاح أو التغيير أو الثورة بالخوارج. وهذا التيار، رغم ادعائه "عدم الدخول في السياسة"، أثبتت الأحداث أنه أحد أكثر التيارات توظيفًا للدين في خدمة السياسة، لا في مواجهة الأعداء، بل في مواجهة أبناء الأمة أنفسهم ممن رفعوا صوتهم في وجه الظلم والفساد.
دوره الخطير ظهر بوضوح خلال ثورات الربيع العربي، حيث وقف مع الأنظمة الديكتاتورية ضد الشعوب، وأفتى بحرمة الخروج على الطغاة، وحرّم المظاهرات، ووصف الداعين إلى الحرية بأنهم كلاب أهل النار. اقتصر موقفه على حكام الخليج الموالين لواشنطن، أما أعدءها فقد افتى بالجهاد ضدهم كما حدث في سورية وليبيا.
ولم يقتصر دور المدخلي على خدمة الطغاة العرب، بل وصل الأمر إلى التماهي مع المشروع الصهيوني نفسه. ففي تقرير نشرته صحيفة Times of Israel في ديسمبر 2023، وصف المدخليون بأنهم من أكثر التيارات الدينية ملاءمة لـ"إسرائيل"، لأنهم يهاجمون المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس، ويبررون التطبيع مع الكيان، بل ويعتبرون الجهاد ضد الاحتلال بدعة حزبية. ونقلت الصحيفة عن أحد أتباع المدخلي قوله إن "إسرائيل" لم تعتدِ على المسلمين، بل هم من اعتدوا عليها، وأن الجهاد لا يكون إلا بأمر الحاكم، ولو كان هذا الحاكم حليفًا للصهاينة.
هذه المواقف تتماشى تماماً مع الخط العام للأنظمة التي تدعم المدخلي، فقد أصبح الرجل غطاءً شرعياً للسياسات الخليجية الجديدة التي تتجه نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال، وبيع القضايا المركزية للأمة. وقد أظهرت وثائق أمريكية سربها موقع ويكيليكس توصيات من مسؤولين أمريكيين بضرورة دعم التيارات السلفية غير السياسية، مثل المدخلية، لأنها تُخدّر الشعوب، وتُضعف الحركات الإسلامية المقاومة، وتُكرّس شرعية الأنظمة العميلة، وقد كانت هذه الاستراتيجية جزءاً من أدوات ما يسمى "الاستقرار المصطنع" في المنطقة.
في الواقع، لا يهاجم المدخلي إلا من يقاوم، ولا يكفّر إلا من يرفض الركوع ولا يُسكت إلا الأصوات الحيّة التي تنادي بالتحرر والكرامة والعدالة. أما الأنظمة التي ترتمي في أحضان واشنطن وتل أبيب، فله عندها فتاوى الطاعة والدعاء والنصرة. لقد أصبح هذا التيار، دون مبالغة، غطاءً دينيًا لكل مشروع استعماري جديد، بدءاً من محاربة الثورات، مروراً بتكفير المجاهدين، وانتهاءً بتشريع التحالف مع أعداء الأمة.
ربيع المدخلي لم يكن مجرد رجل دين متشدد، بل كان أحد أذرع الأنظمة الوظيفية التي تدور في فلك الغرب والصهيونية. استخدم النصوص الدينية في غير مواضعها، وحرّف مقاصد الشريعة وجعل من الطاعة العمياء مذهباً دينياً، لا يخدم إلا من يحتقر الشعوب ويعادي الإسلام المقاوم. والحق أن ظاهرة المدخلي لا يمكن فهمها خارج سياق الاستعمار الجديد، الذي أدرك أن أفضل طريقة للسيطرة على المسلمين هي أن يُجنّد من بين صفوفهم من يتحدث باسم الدين، ليكفّر المقاومة، ويُحرّم الثورة ويُقدّس الطاغية ويُبرّر الاحتلال.
فلا غرابة أن يكون ربيع المدخلي اليوم هو المرجع الشرعي الأول للديكتاتوريات والخصم الأول لكل مشروع تحرر، والحليف الصامت لكل طاغية وصهيوني. ولا فرق بينه وبين أي عميل يخدم الصهيونية في الخفاء، سوى أن هذا الأخير لا يدّعي الورع، ولا يحتمي بالسنة، كما يفعل المدخلي وتلامذته من الصهاينة السفليين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
                

 
                    
                    
                    
                 
                         
                         
                         
                         
                         
                         
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    
 
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    