السياسية : تقرير || صادق سريع*

كأن حرب غزة بدأت للتو أو في أيامها الأولى، يواصل أبطال المقاومة الفلسطينية في غزة تكبيد جيش "إسرائيل" خسائر فادحة بشرية وعتاداً عسكرياً يقدر بأكثر من 1500 آلية عسكرية مختلفة، بأحدث التكتيكات القتالية وصناعة الفخاخ، في مشاهد نادرة تُربك توقعات خبراء الحروب وتُبهر أنظار العالم، تجد تفسيرها فقط في آيات النصر: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}.

بإسناد إلهي ومدد سماوي ثم يماني، يسطر رواد المدرسة العسكرية الحديثة في غزة، بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين وبطون خاوية وقلة عتاد، منذ 7 أكتوبر 2023، في حرب الأنفاق، ملاحم عسكرية بطولية تُذهل العقول وتُشخص الأبصار وتربك حسابات الكيان وتبعثر خططه العسكرية وتخلط أوراق الحلفاء في الغرب والشرق والأنظمة العربية المُطبّعة.

كل الحروب انتهت إلا حرب غزة؛ هكذا يردد لسان حال سكان غزة وعامة العرب؛ إنها معركة الوجود بين الحق الإسلامي والباطل: جيوش اليهود والصليب والعرب المتأسلمين الذين يراهن عليهم عدو الأمة في إعادة رسم الخارطة المزعومة (الشرق الأوسط الجديد) تمهيدًا لإعلان المشروع الصهيو - غربي: "إسرائيل' الكبرى من النيل إلى الفرات".

كتب ثائر فلسطيني على حسابه الإلكتروني:
"في زمنٍ تكاثرت فيه المعارك، وتعددت وجوه الغلبة، تبقى هذه الكلمات الأربع كفًا حانية على جبين كل قلبٍ متعب: {ولا غالب إلا الله}."

وأضاف: "إنها ليست جملة تُزيَّن بها جدران الحمراء، أو نقشٌ يتيم على باب قديم، إنها مبدأ، وسرٌّ من أسرار الطمأنينة، هي تذكرةٌ لمن اغترّ، وعزاءٌ لمن انكسر، من فهمها، لم يغترّ بنصر، ولم يهلك في هزيمة".

وقال آخر: "‏لا يغرّكم ضجيج المعارك، ولا تصفيق المنافقين، فهذه الحرب لم تخلق في قلبي رجاءً بنصرة من متخاذل، ولا شرفًا يُمنح لمن تخلّى عنا في أول الطريق".

وأضاف: "ما أريده يوم تقف فيه الحقيقة عارية من كل زخرف، يوم نقف فيه وجهًا لوجه، رجلًا لرجل، سلاحًا بسلاح، وعدالة السماء حَكَمٌ بيننا".

وقال أيضاً: "سبعمائة يوم من الجوع والعطش، من بطون التصقت بظهور أصحابها، وقلوب لم تعرف للمدد طعماً، ومع ذلك، حفرنا للموت فخاً في دروبهم، وعلّمناهم كيف للضعيف أن يغدو قاتلاً حين يُؤمن بقضيته".

وأنهى الكلام متسائلًا: "فما بالكم لو تساوت الكفة؟ ما بالكم لو امتلكنا ما يمتلكون؟ أي زلزال كان سيجتاحهم حينها!؟".

قطع تذاكر الموت على الطريقة الغزاوية!

وهكذا يُحكم أبطال القسام وسرايا القدس الفخاخ لجنود العدو: "بكل هدوء، يخرج بطل مقاومة غزة من نفقه، يضع عبوة شديدة الانفجار تحت الآليات العسكرية وناقلات الجند للجيش الصهيوني، ويُفجرها، ثم ينسحب بهدوء بكل معاني الشجاعة، البطولة، والإقدام، والبسالة... سموها ما شئتم".

وفي تفاصيل أخرى، تدور معارك حامية الوطيس وملاحم اشتباكات ضروس بين جنود الحق وعلوج الشرك والصليب، في أطلال غزة، وبين أكوام الخراب وركام الدمار، يصفها المراسل العسكري لجيش العدو نير دبوري بقوله: "هناك معركة صعبة هناك، لا بد من قول ذلك".

في سلسلة عمليات "حجارة داود" كمائن الموت، يسمح مقص الرقيب، فقط لمِنصات الإعلام العبري عنونتها بـ"حدث أمني صعب في غزة"، ويُحظر سرد تفاصيلها المذهلة وقصص المذابح المروعة وبث مناظر الأجساد المتفحمة لعساكر الكيان، التي وثقتها عدسات أسود المقاومة الحفاة، ليرى العالم نهاية أسطورة الجيش المدجج بالسلاح والمختبئ في جوف المدرعات وحماية الطائرات، الذي قيل عنه "لا يُقهر".

وفق هذه السردية، تنشر مِنصات العدو عواجل أنباء محزنة وقصصاً مؤلمة بتفاصيل مبتورة لأحداث كمائن الموت في غزة: إحتراق سبعة جنود بكمين لمدرعة "بوما"، ومقتل 3 جنود آخرين من قوة الإنقاذ في كمين آخر.

وفي سرديات إعلامية أخرى، اصابة أكثر من 16 جندياً صهيونياً بعبوات شواظ وقذائف الياسين 105 وعمليات قنص في كمائن أخرى في مواقع مختلفة.

وفي حوادث منفصلة، تعرض جنود أخرين لإصابات خطيرة بعدة كمائن استهدفت حفارات وجرافات D9 بصواريخ قسامية مضادة للدروع في أحياء غزة.

في الأثناء، يعلن إعلام ‏جيش الكيان: "الجنود أحترقوا حتى الموت داخل المدرعة "بوما"، والحادثة هي الأصعب على الجيش الإسرائيلي منذ أشهر".

ويؤكد ضابط إسرائيلي في سلاح الهندسة: "حمـاس لا تزال هنا؛ إنهم مثل الماء، تدفعهم فيتراجعون، وعندما تتراجع يتقدمون...".

وعلى وقع مفعول الصدمة، يعلّق المحلل العسكري لصحيفة معاريف آفي أشكنازي بالقول: "حان الوقت للقول بصوت عالٍ: إدارة الحرب الجارية منذ 628 يوما في غزة هي فشل مدوٍّ من قِبل حكومة بنيامين نتنياهو".

وأضاف: "'إسرائيل' تغوص في وحل غزة، ولا توجد أهداف واضحة للحرب، ممارسة الضغط على حماس لإطلاق سراح الأسرى ليست هدفاً للحرب، بل أمنية، وعلى نتنياهو التوضيح الجمهور ما هو هدف القتال؟".

وفي مراسم وداع جنازة الموت الحزين، تعلّق عائلة الجندي الصهيوني الأسير القتيل تال حاييمي: "لا تقنعوني بأننا هزمنا قوة شبه نووية في أقل من أسبوعين (إيران)، لكننا غير قادرين على حسم معركة ضد مقاومة ترتدي النعال، وتحمل الكلاشينكوف.. على نتنياهو الإعلان عن اتفاق يعيد جميع الأسرى".

خلاصة الحصيلة المؤلمة، وفق سرديات الإعلام العِبري: مقتل أكثر من 25 عسكرياً صهيونياً في غزة خلال شهر يونيو الفائت، وإجمالًا قُتل 900 عسكري صهيوني وأُصيب أكثر من 6 آلاف منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023.

..وهذا ما قيل في وصف المقاومة!

في وصف المقاومة، كتب ثائر فلسطيني:
"‏أيّ قلوب هذه؟ مؤمنةٌ لا تزلزلها المحن، صلبةٌ لا تنثني، شجاعةٌ لا تهاب، ومضحيةٌ لا تبالي بالموت!
ومن تحت الركام، ومن نقطة الصفر، ينهض المقاوم الفلسطيني في جباليا وخان يونس... يواجه ببطولته الفذّة الآليات المدججة والجنود المدعومين جوًا وبحرًا وأرضًا".

وقال آخر من غزة: "المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل تجلٍّ لمعادلة ربانية تُعيد صياغة مفهوم المقاومة في العصر الحديث، ولو أُتيح لها خيط من الإمداد، أو شُقّ لها معبر واحد، لتحوّلت إلى دولة بذاتها، بل إلى كاسرة لتوازنات الدول".

وهنا قالت سرايا القدس: "تحت التراب زرعنا لهم الرعب، فانصهر الحديد والجنود معًا.
هنا مرّت دبابتهم، وهنا انتهت...
في غزة فقط، 'مسافة الصفر' صارت من الماضي، ويتعامل الآن أبطالها بالسالب".

وغرد الناطق العسكري لكتائب القسام، أبو عبيدة، قائلًا: "مجاهدونا يقدمون نماذج فريدة في البطولة والإقدام... والكمائن الأخيرة هي صور حية للتاريخ، تثبت أن مجاهدي شعبنا هم أكثر مقاتلي الحرية شجاعة وفدائية في العصر الحديث".

وأضاف: "جنائز وجثث جنود العدو ستصبح حدثًا دائمًا -بإذن الله- طالما استمر عدوان الاحتلال وحربه المجرمة ضد شعبنا...
حكومة العدو تخدع جمهورها وتتجاهل الاعتراف بأنها تلقي بجنودها في وحل غزة من أجل أهداف سياسية وهمية".

للتذكير، قاربت أرقام فاتورة الموت في حرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية يوميا بحق أهل قطاع غزة، من 57 ألف شهيد و135 ألف جريح، بإشراف ودعم أمريكي وغربي، وتواطؤ وصمت عربي مخزٍ، وعلى مسمع ومرأى العالم أجمع.

خلاصة الكلام:

وفق قراءات خبراء الساسة والعسكر؛ ستظل مشاهد فخاخ الموت بأكثر من 400 كمين موثق منذ 7 أكتوبر، لعساكر "إسرائيل" محفورة في ذاكرة الصهاينة إلى الأبد، بخلفية سوداء، على أطلال الدمار، وتحت أكوام الخراب الذي خلّفته آلة القتل الصهيونية بدعم أمريكي وغربي، في معركة الحسم بين أصحاب الأرض والكيان المغتصب، التي فرضت فيها مقاومة غزة قواعد اشتباك ومعادلات عسكرية جديدة ونصراً كبيراً على أعتى جيوش العالم.