مع إيران ظالمة أو مظلومة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
هذا هو الموقف الديني والبديهي تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران، فكل صراعاتها منذ تأسيسها عام 1979 كانت مشروعة وتصب في صالح الأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية، وحربها اليوم مع الكيان الصهيوني هي نتاج مواقفها المشرفة، ولو أن الأمة الإسلامية -العرب خاصة- ساندت طهران منذ قيام الثورة لما بقيت "إسرائيل" تعربد في المنطقة، لكن للأسف، فإن قادة الجمهورية الإسلامية، ومن اليوم الأول لقيامها، وهم يصدون المخاطر والمؤامرات التي يدبرها العرب، سواءً بالحرب المباشرة التي استمرت لسنوات ثمان، أو بالتشويه والشيطنة الإعلامية وزعزعة أمنها ووحدتها الوطنية، فقد تكفل العرب بذلك نيابة عن الكيان ودفاعاً عنه.
اليوم، وبعد نضال مرير استمر لعقود، تفجَّر الوضع أخيراً بينها وبين الكيان المؤقت، وما كان للكيان أن يجرؤ على ذلك لولا مساندة الخونة من الأعراب له في كل إجرامه، فقد رأى منهم من المساندة على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة ما لم يكن يحلم، ولذلك طمع بما هو أبعد، وقرر التخلص من الجمهورية الإسلامية ليتفرغ لاحقاً لإبادة العرب في محيط فلسطين المحتلة، وهذا ما يؤكده قادته في السر والعلن.
ولا شك أن العدوان على إيران تم بالتنسيق مع الدول العربية، أو ما يُسمى بمعسكر الاعتدال العربي بقيادة السعودية، وهو المعسكر المكلف بحماية الكيان منذ تأسيسه، وكان لآل سعود وشركاؤهم في الخليج الفضل الأكبر في بقائه بعيداً عن المخاطر الوجودية طيلة العقود الممتدة من عام 1917، وحتى اليوم، لكن الوضع قد تغير، ولم تعد تلك الأنظمة في موقع تستطيع فيه حماية حتى نفسها.
ولا شك أن هناك أمور استجدت خلال العقد الأخير كان لها الأثر الإكبر في إفراد الكيان أمام إيران، ولعل أهمها أن الحروب التي شنها حلفاؤها تكللت بالهزيمة، وأمام أطراف كانت صغيرة جداً في نظر العدو الصهيوني وحلفاؤه في الخليج وواشنطن.
فالسعودية، التي كان الكيان يعول عليها كثيراً في أي حرب مباشرة مع إيران، قد غرقت في مستنقع اليمن منذ مارس 2015، وبدلاً من أن تجعل جارتها الجنوبية عبرة لإيران، أصبحت هي العبرة للعالم، بعد أن نجح اليمنيون في كسر شوكتها وتعريفها بحجمها الطبيعي، الأمر الذي حد من طموحها العسكري في العدوان على إيران، وأجبرها اليوم أن تقف في العلن موقف المتفرج وإن كانت في السر تساند الصهاينة بكل طاقتها، والحال ينطبق على شركائهم في الإمارات، فقد تسببت هزيمتهم في اليمن بالحد من ذهابهم إلى حروب أخرى مباشرة ضد دوال العالم الإسلامي.
ولا يُستبعد أن فشل ترامب في عدوانه على اليمن يلعب الدور نفسه في خذلانه الحالي للكيان، ففشله في العدوان على صنعاء وإيقاف إسنادها لغزة، له وقعه في الحسابات الدولية الأمريكية، وخاصة العسكرية منها، فواشنطن ترى بأن العجز عن مقارعة أنصار الله، رغم الإمكانات المتواضعة، سيتلوه هزيمة كبرى أمام طهران فيما لو دخلت المعركة بشكل مباشر، خاصة أن قواعدها العسكرية ومصالحها النفطية على مرى حجر من الحرس الثوري الإيراني.
في الأخير، فإن تهيئة الأسباب هي من الأمور الإلهية، وربما قد حان وعد الآخرة، ورحيل اليهود مهزومين من أرض فلسطين المقدسة، وليس غير الفرس وحلفاؤهم كان يعد العدة لذلك، متجاهلين كل أشكال الحروب الموجهة ضدهم من قبل جيرانهم في الخليج ومحور الخيانة والتطبيع، ولا ننسى أن لله عاقبة الأمور، وأنها تجري بخلاف ما يخطط له الصهاينة، وكما فشل عدوانهم على اليمن وانتهى بكسر هيبة حلفاء الصهيونية، فإن "إسرائيل" نفسها ستفشل في عدوانها على إيران، ولا ننسى أنها تقامر بوجودها وبأمن مستوطناتها، وبخسارتها سيتلاشى وجودها القهري على أرض فلسطين، أو على الأقل سيختصر الطريق أمام الشعب الفلسطيني ليضرب ضربته الأخيرة ومعهم أحرار الأمة في تحقيق النصر الكبير والموعود.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

