الشعارات الحربية في الإسلام: سلاح معنوي وتكتيكي عبر العصور
السياسية || محمد محسن الجوهري*
يعتقد البعض أن الصرخة التي أطلقها السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، العمل الجهادي الأول من نوعه، وأن هذا الأسلوب من الحرب النفسية جديد في الصراع الأبدي بين معسكري الحق والباطل، لكن الحقيقة أن الشهيد القائد استمد هذا الفكرة من التاريخ الإسلامي المفعم بالأنشطة الجهادية التي كان عليها الأنبياء والعظماء من قبله، وأعظمهم بلا الشك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والذي علم أصحابه ترديد شعار "أحدٌ أحد" وهي بمثابة صرخة في وجه المستكبرين في زمن كان الشرك الوثني هو المهيمن في الساحة، وكان أهل الباطل يتعصبون لكل دعوة تنادي بعبادة الله الواحد، فكان المسلمون يعرفون بترديدهم لتلك الصرخة ولا يجرؤ على فعل ذلك إلا مؤمن تقي لأن وراءها العذاب والتنكيل من قبل كفار الجاهلية الأولى.
وكان المنافقون في كل زمان يقفون إلى جانب الباطل، ويرون في صرخة النبي والمؤمنين معه بأنها موجهة ضدهم هم لا ضد آلهتهم ورموزها، وهذه الصفة ثابتة في المنافقين عبر الأجيال وحتى اليوم، حيث لا هم لهم سوى حرف بوصلة الصراع والتعتيم عليه وتقديم نظريات وتحليلات لا علاقة لها بالأمر على الإطلاق، وصدق خير قائل عندما كشف حقيقتهم في سورة حملت اسمهم: ﴿ يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ﴾ [ المنافقون: 4].
وفي عصرنا الحاضر لم يختلف الوضع كثيراً، فالأصنام الحجرية تحولت إلى أنظمة سياسية بيد أهل الكتاب وتمارس العبودية المطلقة بحق البشرية جمعاء ولا يجرؤ أحد على معاندتهم خوفاً من بطشهم، والكارثة أن معسكر النفاق المتمثل في الأعراب والمرتزقة يقومون مقام منافقي العصر النبوي، وكأن الحال هو نفسه باختلاف الأسماء والعناوين لا أكثر.
فرغم اختلاف الزمان والظروف، فإن الصرخة (شعار البراءة من وثنية العصر) يؤدي الدور ذاته الذي أدّته "أحدٌ أحد" قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام. إنها صرخة تحدٍّ في وجه قوى الهيمنة العالمية، وتأكيد على أن المواجهة ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل وجودية وقيمية. وقد تحوّل هذا الشعار من مجرد هتاف إلى هوية جماعية للأحرار والشرفاء المناهضين للعبودية الجديدة، ولا غرابة أن تُقال في المسيرات، وتُكتب على الرايات، وتُردَّد في الجبهات، تمامًا كما كانت شعارات الصحابة تُقال في المعارك الكبرى كأُحد وخيبر.
اللافت في كلا الشعارين أنهما ليس لهما طابع دفاعي أو اعتذاري؛ بل هما صرختان مليئتان باليقين، تُحددان موقع صاحبها من المعركة بوضوح، وتُشعر العدو بمدى الجدية والرسوخ في الموقف. قريش كانت تخشى "أحدٌ أحد" لأنها تدرك أن من يرددها مستعد أن يموت من أجلها. واليوم، تغضب أمريكا وإسرائيل من شعار أنصار الله، لأنه يقول صراحة من هو العدو، ويعيد تشكيل الوعي الجمعي حول مفهوم التحرر ومواجهة الظلم.
وبين الشعارين، تتضح وحدة الفكرة رغم اختلاف السياقات. فكما أن "أحدٌ أحد" جاء من قلب الألم، من تعذيب بلال، ومن حصار المسلمين الأوائل، فإن شعار أنصار الله جاء من قلب الحصار والفقر، من بيوت تهدّمها الطائرات، ومن شعب يصرخ بوجه العالم. وكما تحوّل "أحدٌ أحد" إلى نداء في المعركة، تحوّل الشعار اليمني إلى راية جهادية تؤرق العدو قبل أن تُسعد الصديق.
وهكذا، يثبت التاريخ مرة بعد أخرى أن الشعار في المعارك ليس مجرد كلام، بل بوصلة للروح. كلمة تُقال بإيمان، قد تكون أقوى من ألف طلقة، وقد تُحدث في العدو اضطرابًا لا تُحدِثه القذائف، فهي ليست كلمات... إنها رايات تُرفع في قلوب المؤمنين، ولها وقعها المميت في قلوب الأعداء وقلوب الذين في قلوبهم مرض، ويكفي أنها تفرز الأمة بين مؤمن صريح وعدوٍ صريح، فليس من الدين أن يعادي أحدهم شعاراً موجهاً ضد أعداء الإسلام رغم صراحته في تحديد العدو وكشف هويته.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

