"إسرائيل" من فكرة بريطانية مشبوهة إلى مشروع استعماري هدام يخدم مصالح الغرب في المنطقة! ..
السياسية || صلاح المقداد*
أن يكون مُستهل الشر وبدايته فكرة جهنمية شيطانية خبيثة تبلورت ذات يوم وذات فترة لدى الساسة الإنجليز بعد أن قفزت لمُخيلاتهم المريضة والعفنة، وبعد أن نضجت وتخمرت جيداً وراقت لهم ليتحمسوا لتبنيها وتحويلها إلى واقع عملي مُعاش يعزز مصالحهم ويضمن الحفاظ عليها وخدمتها مُستقبلاً على المدى الطويل كقوة استعمارية، فهذا لعمري هو الخطر والشر بعينه، ويعني كذلك أن بريطانيا تلك الدولة الإستعمارية الشريرة والأكثر مكراً وشيطنةً ما تركت خلفها خيراً أو أثراً طيبًا يمكن أن تحمد عليه بعد تخليها عن صفة المستعمر المباشر لعدد من دول المنطقة والعالم، ولو لم يكن من جرائمها التي لا تغتفر إلا فكرة جلب عصابات اليهود إلى فلسطين ومساعدتهم على إنشاء وطن قومي بوعد صريح صادر عنها بلسان وزير خارجيتها آرثر بلفور في 2 نوفمبر من عام 1911م، لبدت بذلك وحدها صاحبة الجريمة التي لا تغتفر بحق العرب والمسلمين وحق شعب فلسطين المظلوم .
وتلك الفكرة الملعونة تمحورت كما هو معلوم للجميع حول مسألة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وجمع شتاتهم وإستجلابهم إلى هذا البلد العربي الذي كانت تحتله بريطانيا وتفرض انتدابها عليه بعد طرد العثمانيين منها، وبهكذا جريمة نكراء بدأت كفكرة خطيرة لم تخطر حينها حتى بال إبليس الرجيم نفسه، لا تعفي بريطانيا من مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية وتحمل تبعاتها، ولعل بريطانيا الماكرة قد حققت بتلك الفكرة سبقًا وتفوقًا على كل أبالسة الأرض وشياطينهم.
حيث أنه بمرور الوقت والأيام والأعوام تحولت فكرة بريطانيا المُتأبلسة إلى مشروع استراتيجي جامع للغرب كله، بل إنه تحمس لها كثيراً وتعهدت بجعل فكرة زرع الغدة السرطانية المُسمى "الكيان الإسرائيلي" بجسم المنطقة واقعًا مُعاشًا، وتحويلها من مجرد فكرة أستحسنها في البداية إلى حقيقة ملموسة وواقع فرض على المنطقة وشعوبها ودولها قسراً، ولا مناص من الإعتراف به والخضوع لما يعنيه ماضيًا وحاضراً ومُستقبلاً .
ومن هنا فلا عجب أن يصر الغرب الصليبي الإستعماري الفاجر بخصومته المُفرطة وعدائه الشديد لهذه الأمة وإسلامها وما تحمله من قيم مُثلى ومبادئ سامية، على تأديب وابتزاز عموم العرب والمسلمين بـ"إسرائيل" بعد أن سلطها عليهم وفرض وجودها اللا شرعي عليهم وزرعها كغدة سرطانية خبيثة في قلب المنطقة وجسمها، وجعلها مصدر قلق لهم ولدولهم وشعوبهم على المدى الطويل.
ومن الأهمية بمكان الإشارة هُنا إلى أن الغرب الحاقد والفاجر بخصومته وعدائيته لكل ما هو عربي وإسلامي، بعد أن شعر بتراخي قبضته الحديدية ويده الطولى على المنطقة العربية التي كان يستعمرها ويحتلها لاسيما في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، قد فكر وقدر وقرر بعد أن نظر وبسر أن يزرع "إسرائيل" ويفرضها ككيان محتل بديل عنه أو امتداد له في المنطقة إثر انسحاب جيوشه من مستعمراته السابقة وجلاء جنوده عنها، لتكون شرطي المنطقة القامع للعرب والمسلمين على حدٍ سواء، والخادم والحارس لمصالحه فيها، وقد تعهد بتنيها ودعمها وحمايتها والمحافظة على تفوقها الحضاري والعلمي والعسكري والتقني على جيرانها العرب، وعدم السماح بالتعرض لها بأي أذى، بل واعتبرها جزء لا يتجزأ منه ومن حضارته وتنتمي إليه في كل شيء .
وإن كان الكثير من العرب والمسلمين يغفلون هذه الحقيقة، إلا أن ذلك لا يؤثر في شيء، أو يغير من الواقع المعاش الذي فُرض عليهم قسراً شيئا، والذي تُمثله اليوم "إسرائيل" بكل أبعاده ومُعطياته وإحتمالاته ونتائجه ومآلاته.
ومن المعلوم أن بريطانيا هي المهندسة وصاحبة "فكرة إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين"، والتي تلقفها الغرب كله بالترحيب والمباركة وأبدوا جميعًا حماسهم وتأييدهم ودعمهم لهذه الفكرة والوقوف خلفها حتى تصبح واقعًا وحقيقة، وهذا ما حصل وحدث بالفعل، فضلاً عن أنهم وجدوا فيها ضالتهم المنشودة التي كانوا يبحثون عنها منذ زمن بعيد حتى وجدوها، وتكفلوا بأن تصير الفكرة إياها عملاً وسلوكاً وممارسة وتطبيق عملي أنتج في نهاية المطاف ما يعرف اليوم بـ"الكيان الإسرائيلي" .
ولم تكن "إسرائيل" مُجرد فكرة غربية تبلورت في لحظة تاريخية آنية مُعينة وانتهى الأمر بنهايتها، وإنما أصبحت لاحقًا تمثل أخطر مشروع استعماري خبيث عرفته المنطقة ويهدف إلى الإمساك بمخانق شعوب المنطقة ودولها والتحكم فيها وارغامها على التعامل مع تلك الفكرة والمشروع الهدام كواقع وحقيقة وعدم القفز من فوق أسوارها وتجاوزها ولو حتى ببعض الأحلام والطموحات والتصورات والإنفعالات المرحلية والمشاريع الآنية واللحظية العابرة بصبغتها الوطنية والقومية .
بيد أنه بمرور الزمن تحولت "إسرائيل" من مجرد فكرة إلى مشروع غربي استعماري قائم على أرض أصبحت هدفًا سهلاً له في كل شأنٍ ومجال وحال وشأن، وأصبح كيانها الغاصب ذو العقيدة الصهيونية المتطرفة هو المعول الهدام لهذه الأمة ودولها وشعوبها ومصدر الإشغال والإقلاق الدائم لها.
وعلى مدى 77 عامًا منذ قيامها وحتى الآن و"إسرائيل" تقوم بدورها الوظيفي الذي قرره وحدده الغرب لها على أكمل وجه، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا ! .
*المقال يعبر عن رأي الكاتب

