السياسية || محمد محسن الجوهري*

كان من المفترض أن ينتهي آخر خطر وجودي على الكيان الصهيوني في 17 سبتمبر 1978م، تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات، والتي من شأنها تحييد العرب كلياً من نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وتركه يعاني منفرداً في وجه الإبادة الجماعية المستمرة منذ تأسيس الكيان عام 1948، لكن المفاجأة هي انتصار الثورة الإسلامية في إيران بتاريخ 11 فبراير 1979م، أي بعد أقل من خمسة أشهر من اتفاقية العار بين مصر والكيان، وكان في ذلك النصر الإلهي تجسيدٌ عملي لقوله تعالي: {وإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} سورة محمد (الآية 38).

كما أن الثورة الإسلامية في إيران التي بدأت مسيرتها بعد النصر بإعلان العداء للكيان الصهيوني وقطع كل أشكال العلاقات التي كانت قائمة من قبل معه، ودعم الشعب الفلسطيني في ثورته المستمر لتحرير أرضه بالموقف والمال والسلاح، ولتبدأ بذلك مرحلة جديدة من الصراع تختلف عما سبقها، وهذا أيضاً يؤكد أن اليهود في حالة عذاب مستمرة إلى الأبد وهذه آية أخرى من آيات الله تتجلى في الواقع: {"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}وهي الآية رقم 167 من سورة الأعراف، وكل آيات الله تتجلى في الواقع على شكل حقائق وهذه فقط واحدة.

ومنذ ذلك التاريخ، 11 فبراير 1979، و"إسرائيل" تعاني من خطر وجودي اسمه إيران، يصاحبه هذيان إعلامي لشيطنة كل أنشطتها الإسلامية، مصحوباً بتحرك نفاقي واسع من قبل الأعراب، الأشد كفراً ونفاقاً، وكل لدحر الخطر الإيراني، ولو أن طهران تبنت نهجاً آخر ما تعرضت لتلك الحملات والحروب، لكنها اختارت الطريق القويم، ولن تتخلى عنه أبداً، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى {ثم لا يكونوا أمثالكم}.

رغم حجم الأضرار التي يعانيها الشعب الإيراني جراء الحروب العسكرية والاقتصادية من قبل "إسرائيل" وعملائها، بدايةً بنظام صدام الذي شن حرباً ظالمة على إيران وانقلب على اتفاقية الجزائر التي وقعها صدام بنفسه عام 1975 لترسيم الحدود بين البلدين.

جعلت إيران من القضية الفلسطينية نهجاً تمضي عليه، وخصصت من إيراداتها موازنة معينة تذهب لدعم صمود الشعب الفلسطيني وكل القوى المتضررة منه، كالشعب اللبناني، وأنشأت فيلق القدس الذي تكفل برعاية كل الأحرار المناهضين للكيان الصهيوني، كما أنشأت حرس الثورة لحمايتها من التداعيات التي تتلو مواقفها الإسلامية المشرفة تلك، وكل ذلك بفضل قيادتها الدينية الحكيمة ممثلةً بالإمام روح الله الخميني رضوان الله عليه، الذي كان قائداً إسلامياً بامتياز، حاملاً لكل هموم الأمة ومعها جميع الأحرار والمستضعفين في العالم.

وعلى قدر عظمة ذلك الرجل، وعظمة إنجازاته الإسلامية، كان حجم التشويه والشيطنة له ولبلده وشعبه، حتى أصبح اسم الإمام الخميني -في حد ذاته- مصدر رعبٍ وإزعاجٍ لليهود وأذنابهم في المنطقة، خاصةً دول الخليج الصهيوني التي يسارع قادتها في الدفاع عن الكيان بمزاعم عارية من الصحة عن أمنها القومي، ناسيةً أن الخطر الإيراني على أمنها وسيادتها انتهى بسقوط الشاة وانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، ذلك القائدة الرباني العظيم.

ويكفي ذلك القائد عظمةً أن كل سبب من أسباب الموت التي تحاصر الكيان من جميع الاتجاهات هي من ثمار حنكته وشجاعته، فهو الرجل الذي رسم نهاية الكيان وأعد لذلك العدة والرجال، وستستمر مخططاته حتى زوال الكيان وتحرير كامل فلسطين، مهما كان حجم التآمر على بلاده، ولو بعد رحيله بسنوات طوال، ويكفي إيران أنها لا تزال قائمة بانجازاته وبهيبته التي سترافق الجمهورية الإسلامية حتى الخلاص الكبير إن شاء الله.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب