عبد الباري عطوان ———

ثلاثة تطوّرات عسكريّة لافتة للنّظر يُمكن رصد وقائعها في الـ24 ساعة الماضية، وبعد أقل من أسبوع على قصف مُجاهدي “حزب الله” اللبناني عربةً مُدرّعةً إسرائيليّة في العُمق الفِلسطيني المُحتل، يُمكن أن ترسم صورةً دقيقةً لخريطة المرحلة المُقبلة:

الأوّل: إعلان “حزب الله” إسقاط طائرة مُسيّرة إسرائيليّة اخترقت الأجواء اللبنانيّة فجر الاثنين، واستيلاء الحزب على حُطامها.

الثاني: اعتراف بيان إسرائيلي رسمي بإطلاق منظمة قال إنّها “مجهولة” ومُرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عدّة صواريخ باتّجاه “إسرائيل” من قاعدتها في جنوب دمشق، وزَعُم البيان أنّها لم تصِل إلى أهدافها.

الثالث: استهداف طائرات عسكريّة “مجهولة” يُرجّح أنّها إسرائيليّة لمواقع إيرانيّة أو تابعة لجماعات مُوالية لإيران “حزب الله” العِراقي و”الحشد الشعبي”، في الجانب السوري من مِنطقة البوكمال على الحُدود السوريّة العِراقيّة، ممّا أدّى إلى استشهاد 18 شخصًا.

القاسم المُشترك في هذه الأحداث الثلاثة هو دولة الاحتلال الإسرائيلي، سواء كطرف مُعتد أو كردٍّ على اعتداءاته، أو الاثنين معًا، ممّا يعني أنّ منسوب التوتّر، وربّما المُواجهات العسكريّة يرتقع بدرجةٍ مُتسارعةٍ على ثلاث جبهات: اللبنانيّة، السوريّة، والعِراقيّة.

***

إذا بدأنا بالتطوّر الأوّل، وغير المسبوق، أيّ إسقاط “حزب الله” لطائرة مُسيّرة اسرائيليّة، فإنّ هذا التطوّر يعكِس عدّة أُمور:

الأوّل: أنّ “حزب الله” بات يملك قدرات دفاعيّة صاروخيّة مُتقدّمة، ودقيقة، قادرة على إسقاط هذا النّوع من الطائرات، وربّما غيرها أيضًا، ومن غير المُستبعد أنّه حصل عليها من إيران، وتُضاهي تلك الإيرانيّة التي أسقطت طائرةً مُسيّرةً أمريكيّةً (قيمتها 270 مليون دولار) كانت على ارتِفاع 20 كيلومترا.

الثاني: يأتي هذا التطوّر تأكيدًا لما كشَفه السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير من أنّ مُقاومي “حزب الله” سيُسقِطون أيّ طائرة إسرائيليّة مُسيّرة تخترق الحدود اللبنانيّة، وقال إنّه بعد العُدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبيّة، وإرساله طائرتين مُسيّرتين سقطتا في الضاحية الجنوبيّة، سقَطت جميع الخُطوط الحمراء السابقة.

الثالث: بات في حوزة “حزب الله”، وخُبرائه العسكريين، وحُلفائهم الإيرانيين ثلاث طائرات إسرائيليّة مُسيّرة، وهذا يُشكّل كنزًا من المعلومات حول كيفيّة تصنيعها وتلغيمها، وعمَل أجهزة الاستطلاع المُزوّدة بها، وربّما يتم الاستفادة من هذه المعلومات والتكنولوجيا في تطوير صِناعات عسكريّة.

الرابع: نجاح مُجاهدي “حزب الله” ودفاعاتهم الجويّة بإسقاط هذا النّوع من الطائرات المُسيّرة يعني توجيه ضربة معنويّة، وماديّة مُدمّرة لسلاح الجو، وأجهزة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة التي تستخدم هذا النّوع من الطائرات، وتُصنّعها، لأنّ إسرائيل باتت من أوائل الدول المُنتجة والمُصدّرة لها، ووقّعت صفقات مع دول مِثل تركيا والهند، وحتى الولايات المتحدة، عادت على خزينتها بمِليارات الدولارات.

ولا نعتقد أنّ هذه الطائرة الإسرائيليّة المُسيّرة التي أسقطتها دفاعات “حزب الله” الجويّة المُتقدّمة ستكون الأخيرة، وربّما تكون المِنطقة على أبواب حرب طائرات مُسيّرة بين الطرفين على جانبيّ الحُدود في المُستقبل القريب جدا.

أمّا إذا انتقلنا إلى الهجمات الصاروخيّة التي انطلقت من جنوب العاصمة السوريّة باتّجاه أهداف في فِلسطين المحتلّة، فإنّها تُؤشّر إلى حُدوث تغيير في الاستراتيجيّة السوريّة الإيرانيّة المُشتركة، في مصلحة الرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي مُستقبلي على أهدافٍ في العُمق السوري، أيّ أنّ الزمن الذي كانت تُهاجم فيه الطائرات والصواريخ الإسرائيليّة أهدافًا في العُمق السوري قد يكون ولّى إلى غير رجعةٍ، ولعلّ عدم وصول هذه الصواريخ إلى أهدافها كان مُتعَمّدًا لإيصال رسالة قويّة إلى القادة الإسرائيليين في هذا الصّدد، وفي توقيتٍ محسوبٍ جيّدًا، أيّ قبل أيّام من زيارة نِتنياهو إلى موسكو ولقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين لبحث المِلف السوري.

إسرائيل تعيش حالةَ قلقٍ غير مسبوقة، لأنّها تُحارب على ثلاث جبهات حتّى الآن، وفي مُواجهة أذرع مُقاومة مُستقلّة وغير رسميّة، تسمى Paramilitary group أو Non Sate Actor، أيّ أنّها ليست تابعةً لدول، وشنّها غارات للمرّة الخامسة أو السادسة على قواعد ومخازن للحشد الشعبي العِراقي، و”حزب الله” العِراق على وجه التّحديد، المُتمركزة في ريف دير الزور الشرقي، تطوّرٌ مُهِمٌّ يعكِس احتمال فتح وشيك للجبهة العِراقيّة بطريقةٍ أو بأُخرى.

***

إذا كانت هذه التطوّرات الثلاثة لا تعني الحرب، فما هي الحرب إذًا؟ الأذرع العسكريّة المُدرّبة والمُسلّحة جيّدًا التابعة لمحور المُقاومة بدأت تتحرّك بقوّةٍ، وتخوض حرب استنزاف لدولة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من جبهةٍ، ربّما تتطوّر إلى حربٍ شاملةٍ في الوقت المُناسب.

من غير المُستبعد أن تكون القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة أرسلت هذه الطائرة المُسيّرة لاختراق الحدود اللبنانيّة كبالون اختبار، وجسّ نبض إرادة “حزب الله” القتاليّة، فنجح “حزب الله” في هذا الاختبار بدرجاتٍ عاليةٍ جدًّا، وسقطت إسرائيل في حالةٍ من الرّعب والارتباك، تُوازِي، إن لم يكُن أكبر حالة الانتظار المُماثلة التي سبَقَت رد الحزب على العُدوان على الضاحية الجنوبيّة.

اليوم يفِي السيّد نصر الله بوعده للمرّة الألف ويُسقِط أوّل طائرة مُسيّرة إسرائيليّة تخترق الحُدود اللبنانيّة بدقّةٍ مُتناهيةٍ، ونوعيّةٍ مُفاجئةٍ من القُدرات الدفاعيّة الجويّة من حيثُ الدقّة، ومن غير المُستبعد أن نشهد صواريخ تنطلق من سورية، ومن العِراق انتقامًا من غارات الطائرات والصواريخ الإسرائيليّة التي تستهدف قواعد حُلفاء المُقاومة في سورية والعِراق.

الأيّام الإسرائيليّة القادمة قد تكون حافلةً بالمُفاجآت غير السارّة لنِتنياهو ومُستوطنيه وحُلفائه العرب الجُدد.. والأيّام بيننا.