السياســـية - تقرير || صادق سريع*

هذا السؤال: أين احتجزت حماس الأسيرات الثلاث؟ أدخل "إسرائيل" في حالة صدمة بعد خروجهن من شمال محور "نتساريم"، الذي سيطر عليه جيشها أكثر من عام.

يروي الصحفي الصهيوني أميت سيغال قصة اندهاشه: "يبدو أن الأسيرات كنّ في منطقة الزيتون، أو مدينة غزة نفسها، في الواقع قريباً من محور نتساريم .. من الصعب شرح كم مرات نفذ الجيش "الإسرائيلي" اقتحامات هناك".

وهنا يبدو تأثير الصدمة أكثر في رواية الصحفي تسفي يحزكيلي: "عندما شاهدت انتشار مسلحي حماس بين أهالي غزة الفرحين، ونحن غاضبون، أدركت أننا لم نفعل شيئاً خلال سنة و5 أشهر.. فقط دمرنا البيوت، وخسرنا أبناءنا".

وهذا هو السؤال الذي طرحه يحزكيلي في نفس التوقيت؛ من أين خرجت كل هذه الجيبات، والسيارات المخصصة للعمليات القتالية بهذه الكميات والأعداد الغفيرة!؟.. لا شك أن حماس تمتلك أنفاقا بمئات الـكيلو مترات تتسع لكل تلك السيارات، التي بقيت سليمة".

"اليوم التالي"

وبلهجة استغراب، يصف ‏الصحفي الصهيوني چاي بيخور المشهد: "أنتم تشاهدون اليوم التالي للحرب، حيث تنتشر قوات حماس في كل قطاع غزة، ويَجري استقبالهم كالأبطال، يبدو الجميع بملابس جميلة، سيارات جديدة، منازل قائمة، ربما لم تكن هناك حرب، أو كانت مجرد كذبة!؟ .. سندفع ثمن هذا باهظاً".

وبنفس اللهجة أيضاً، ينهي فصول شعور الدهشة بهذه الكلمات: "أنتم تشاهدون اليوم التالي الشهير!! حيث عادت حماس، وعاد معها كل شيء، متى يغزون الغلاف؟، ما كنت لأبقى دقيقة واحدة في غلاف غزة؛ لأن الانتقام من اليهود سيكون فظيعاً".

استعراض القوة

في ذلك اليوم، تغيَّرت نبرة حديث وسائل الإعلام العبرية، وتحت عنوان: هل عادت حماس؟ اعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" انتشار مقاتلي حماس من تحت أنقاض الجيب المحطّم في غضون ساعات من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الأحد الفائت، ملثمين بأقنعة سوداء وعصبات الرأس الخضراء؛ لتسليم الثلاث الأسيرات الإسرائيليات للصليب الأحمر، هزيمة لنتنياهو، الذي تعهّد بتدمير حماس وإستعادة أسراه بالقوة.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث وسترن بالولايات المتحدة، مخيمر أبو سعدة، لـ للصحيفة ذاتها، طريقة تسليم الأسرى استعراضاً للقوة وتحدّياً لـ"إسرائيل".

وهذا ما قاله المحلل "الإسرائيلي"، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، آفي يسسخاروف ، لـ"الفايننشال تايمز": "دمّرت غزة، لكن حماس لا تزال واقفة على قدميها".





كيف يحدث ذلك!؟

وهكذا عبرت "جاي بشور" عن الصدمة: "قطاع ‎غزة بأكمله مليء بمسيرات النصر لـ حماس، ماذا كنا نفعل في غزة لمدة عام ونصف تقريباً!؟ فعلًا غريب!! كيف استطاعوا إخفاء عشرات الأسرى الصهاينة والأمريكان في قطاع غزة الصغير؟".

ووصفت شعورها الحزين بإنبهار: "الجيش حرث كل شبر في غزة، ولم يجد الأسرى، وطائرات الاستطلاع والتجسس الأمريكية و"الإسرائيلية" والبريطانية وغيرها راقبت كل نَفَس في القطاع دون جدوى، ويأتي يوم التبادل ويُخرجونهم بسلام، كييييف يحدث ذلك!؟".

خسرنا الحرب

وبعد الخطاب الـ30، بالنصر، لناطق كتائب القسام بحماس، أبو عبيدة الملثم، مساء أحد 15 يناير الجاري، مُنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، يوم 7 أكتوبر 2023، أعتبر الصحفي أمير بوخبوط، من موقع "والا"، "بقائه حياً فشلاً للمنظومة الأمنية "الإسرائيلية" والوعي المجتمعي والتقني وأهمية الحرب النفسية في العصر المعلوماتي".

المؤكد في قناعة الصحفي عاموس هرئيل ، في قوله:" أن الحقيقة المحزنة هي أننا خسرنا الحرب إلى حد كبير في 7 أكتوبر 2023، وكل ما فعلناه، مُنذ ذلك الحين، كان محاولة لتقليل بعض الأضرار".

وماذا أيضاً؟: "قدمنا تنازلات كبيرة مقابل أسرانا، تشمل إطلاق سجناء فلسطينيين كبار في الجزء الثاني من الصفقة، وأكثر قتلة من أولئك الذين تم إطلاقهم بالجزء الأول".





.. وتم هندسة الصدمة!

وهكذا هندست حماس الصدمة لـ"إسرائيل" بالظهور اللحظي لكتائب القسام في آن واحد في كل غزة بأعداد كبيرة وزي جديد موحَّد، وسيارات دفع رباعي حديثة، وتنظيم أمني ملفت، وإدارة دقيقة في عمليات التسليم والتبادل، والتوقيع الرسمي وسط حضور جماهيري كبير.

إجمالاً، هذا الرأي هو الذي يتفق عليه الإعلام الصهيوني، في أن حماس لن تتخلى عن السلاح، ولن تتبنى نهجاً أكثر اعتدالًا، ولا ترى أي فرصة للتوصل إلى حل سلمي معها.
وماذا بعد؟ إن حماس احتفظت بقوتها، وكل ما حدث ويحدث يؤكد وجودها بكل مكان، وسيطرتها على القطاع؛ رغم الحرب الطويلة.

خلاصة الكلام:
في سردية الفصل الأخير من قصة "حرب الإبادة في 471 يوما في القطاع"، انتصرت غزة وجبهة إسنادها من اليمن على "إسرائيل" وحلفائها الغرب والعرب، وأسقطت خطط الجنرالات والترحيل والتهجير، ومعادلات النصر المطلق وأهداف الحرب: تدمير حماس، واستعادة الأسرى، وأُجبر جيش الكيان على الرحيل من القطاع.