السياسية || محمد محسن الجوهري*

تتداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، مما يجعل هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في العالم عبر عقود، وأصبح من الواضح أن تدخلات القوى الغربية سواء كانت عسكرية أو سياسية، قد تسببت في تأجيج الصراعات الدينية والعرقية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية بهدف السيطرة على المنطقة، وتحت قاعدة "فرق تسد" الشهيرة.

يمكن اعتبار الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحول رئيسية في هذه الصراع، واتبعت الولايات المتحدة عقب الإطاحة بنظام صدام حسين، سياسات أدت إلى تفكيك الشعب العراقي، بما في ذلك حل الجيش وتفكيك المؤسسات الحكومية، هذه السياسات أدت إلى فراغ أمني خطير، مما ساهم في تصاعد العنف الطائفي بين السنة والشيعة، حيث انتشر التطرف والإرهاب في البلاد. تقرير "لجنة بيكر" لعام 2006 أشار بوضوح إلى أن الاحتلال الأمريكي أسهم بشكل كبير في زيادة العنف الطائفي، وارتفعت نسبة القتلى بشكل ملحوظ. وسرعان ما تحولت السياسات الغربية التي كانت زعمت التحرير، إلى فوضى وصراع مرير، مما أثر سلبًا على النسيج الاجتماعي العراقي.

علاوة على ذلك، لعبت شركات العلاقات العامة دورًا مثيرًا للجدل في تعزيز الأجندات الغربية في العالم العربي، فقد استأجرت الحكومة البريطانية شركة "Bell Pottinger" للتأثير على الرأي العام في العراق بعد الغزو، حيث قامت هذه الشركة بحملات دعائية تهدف إلى تأجيج الفتن الطائفية. هذه التدخلات انعكست على العوامل الاقتصادية والسياسية مما زاد من حدة الصراعات وخلق بيئات غير مستقرة أدت إلى تفاقم الأزمات.

الإعلام أيضًا له دور محوري في تشكيل الصورة الذهنية عن الصراعات في العالم العربي. وقد وظفت واشنطن وسائل إعلام عربية كالجزيرة والعربية والحرة لتعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية، ما زاد من توترات المجتمع وتعميق الفجوات بين الجماعات المختلفة، وأظهرت دراسة أجرتها جامعة نيويورك أن التغطية الإعلامية للصراعات غالبًا ما تعزز الصور النمطية السلبية، مما يساهم في تأجيج الكراهية بين المجتمعات ويزيد من الاستقطاب.

تسعى القوى الغربية في كثير من الأحيان إلى تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية من خلال دعم الصراعات، فالصراعات المستمرة تمنح الشركات الغربية فرصًا كبيرة في مجال بيع الأسلحة والموارد الطبيعية. تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية أشار إلى أن الشركات الغربية قد استفادت بشكل كبير من بيع الأسلحة إلى الأطراف المتنازعة، مما زاد من حدة الصراعات وأدامها.

تؤدي هذه التدخلات إلى تفشي العنف وتساهم في معاناة المدنيين وتدمير البنية التحتية. تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2020 أشار إلى أن النزاع في سورية أدى إلى نزوح أكثر من 13 مليون شخص، مما يعكس تأثير هذه السياسات على حياة الناس، وإن المعاناة الإنسانية الناجمة عن الصراعات لا تقتصر على الأعداد فحسب، بل تشمل تأثيرها على الأسر والمجتمعات، مما يخلق حالة من اليأس وعدم الاستقرار.

يتضح أن دعم الغرب للصراعات الدينية والعرقية في العالم العربي ليس مجرد تصور، بل هو واقع معقد تُوظف فيه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال الاحتلال، وعبر استئجار شركات العلاقات العامة وتأجيج الإعلام، ساهمت القوى الغربية في تفاقم الأزمات في المنطقة وتأجيج الصراعات، لضمان عدم استقرار المنطقة والإبقاء على مصالحها، إضافة الى حماية الكيان الصهيوني، العدو التاريخي لكل العرب والمسلمين.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب