أوهن من بيت العنكبوت
السياسية || محمد محسن الجوهري*
قالها سيد العشق قبل ربع قرن وأثبتت الليالي والأيام والميدان صحتها وهوانها. ولولا غباء العرب لما بقي الكيان الهش في الوجود منذ ذلك التاريخ. فقوة الصهاينة الفعلية ليست في قدرتهم العسكرية، بل في تزييف الحقائق والتحكم بمسار الحرب الإعلامية لا أكثر.
ولو كانت "إسرائيل" قوة لا تغلب، فلماذا لا تدخل في حرب مباشرة مع اليمن، ولماذا تحتمي بغيرها من الدول وتزج بها في الحرب رغماً عنها، ولماذا تكذب بشأن ذلك، وتزعم أن مصر وغير مصر ستقاتل في اليمن نيابةً عنها؟
والأسوأ من ذلك، أن تستجدي مرتزقة اليمن للدفاع عنها وهم من يرونها إلهاً وتخلوا عن دينهم وثوابتهم خوفاً منها. إنها بالفعل مفارقة عجيبة تثبت عجز اليهود وخبثهم في مقابل غباء العرب وقوتهم الفعلية على الأرض. بات الوضع أشبه بجرذ يتحكم بعقل بعير، ويأمره بحمايته، والأخير ينصاع لتوجيهاته خوفاً منه، وهو لا يعلم أنه قادر على سحقه بحركة واحدة.
الكارثة أن الشواهد كبيرة جداً على وهن "إسرائيل" وضعف معنوياتها وخوفها الشديد من الزوال. إنتفاضتا الأقصى الأولى والثانية، كشفت رعب الكيان وعجزه عن مواجهة أطفال الحجارة، ولجوئه إلى القوة المفرطة في مواجهتهم في مشاهد تعكس ضعفه وسقوطه الأخلاقي. ومن المستحيل على نظامٍ ما، أن يستمر في الوجود وهو بهذه الوضاعة وبهذا الضعف. كم وثقت العدسات فرار الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح من أمام طفلٍ أعزل إلا من الحجارة.
أما عسكرياً، فقد هزمت حماس جيش الكيان في أكثر من جولة، آخرها "طوفان الأقصى"، رغم الفارق الكبير في العتاد والتسليح. وستخرج حماس منتصرة في هذه المواجهة كما فعلت من قبل عام 2009 و2014 وعملية "سيف القدس" وغيرها. هذه الجولات تثبت وهن العدو وضعفه الميداني، ولولا لجوؤه للخديعة والتضليل لكان خسر وجوده منذ عقود.
أما حرب لبنان عام 2006، فهي نقطة تحول في فهم القوة الإسرائيلية. ورغم أن "إسرائيل" كانت تأمل في تحقيق نصر سريع على حزب الله، إلا أن الحرب استمرت لفترة طويلة وأثبتت أن المقاومة اللبنانية قادرة على مقاومة الهجمات الإسرائيلية. الخسائر الكبيرة التي تكبدتها "إسرائيل"، سواء على المستوى العسكري أو المدني، دفعتها لإعادة تقييم استراتيجياتها في مواجهة حزب الله.
أما عن إنجازاتها الأخيرة في 2024، ونجاحها في اغتيال السيد حسن وعدد من قيادات حزب الله، فإن ذلك نتاج الطرق الالتفافية لـ"إسرائيل" وليس نتاج القدرة العسكرية. وكما هو معلوم، فإن حزب الله يعمل في وسط مهزوم إعلامياً وأخلاقياً من قبل الصهاينة، ولا يستطيع الحزب أن يمارس دوره كقوة مستقلة بسبب مضايقات الدولة والأطراف السياسية الموالية للكيان، وهي التي منعته من مطاردة الجواسيس ومتابعة الخلايا في وقت مبكر. حيث يتعرض لحربٍ إعلامية تتهمه بالطائفية في حال أوقع بجاسوس من هنا أو هناك. ولعبت الطائفية الدور الأكبر في تحجيم قوة حزب الله الأمنية، وحالت حتى دون تحركه العسكري بشكلٍ أفضل.
وهذا يثبت أن قوة "إسرائيل" في إعلامها المضلل والمشتت، ونجاحها في خلق الفتن الطائفية والسياسية والأحقاد المزمنة، وهي نفسها التي مكنتها من سائر الدول العربية، وجعلت البعير السعودي بكل ضخامته وحجمه، عميلاً صغيراً للجرذ الصهيوني. وهكذا هو حال أغلب الدول العربية.
إلا أن الوضع بفضل الله يختلف في اليمن. فقد استنفدت "إسرائيل" كل أوراقها خلال سنوات العدوان السعودي - الإماراتي الثمان، ولم يعد بإمكانها تقديم المزيد، ما جعلها تظهر في مظهر الضعيف والمخزي. وهذا الأمر له تداعياته على وجودها في المستقبل، فالكثير من أدواتها ستنتفض ضدها بعد أن سقط قناع القوة الزائف وبات هوانها مكشوفاً للجميع.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب