العلويون.. رجال سورية وقت المهمات
السياسية || محمد محسن الجوهري*
أثبت الواقع والتاريخ أن الأراضي السورية مستباحة للخارج في ظل غياب العلويين، وها هي دبابات العدو الصهيوني تعربد على مرمى حجر من مقر الجولاني في دمشق، ولا يجرؤ هو أو أحدٌ من جماعة الإخوان والسلفيين على إدانة الصلف اليهودي الذي تمادى في انتهاك السيادة الوطنية للبلاد، رغم أن تلك الجماعات المتشددة تستميت في التكفير والقتل إذا كان العدو من أبناء الوطن.
وبالنظر إلى تاريخ الطائفة العلوية، سنجد أن دور سورية النضالي والعروبي كان على أيديهم، فهم أول من ثار على الاحتلال العثماني، وأول من ثار أيضاً على الاحتلال الفرنسي، وتشهد بنضالهم معاركهم الدامية ضد الاحتلالين، كما كانت مناطقهم مأوىً لكل الأحرار في بلاد الشام الفارين من وجه القمع التركي أو الغربي.
وتشهد معركة "كفرنبل" بعظمة العلويين في مواجهة الاحتلال العثماني، وهي المعركة التي لم ولن ينساها الأتراك، وسعوا إلى تشويهها كثيراً منذ أحداث 2011، حيث دعموا الاحتجاجات المسلحة في المدينة للتعتيم على رمزيتها ودورها في دحرهم من البلاد إبان الثورة العربية الكبرى ضد الاحتلال العثماني.
كما كان العلويون حاضرين في الكفاح ضد الأتراك، وكانوا أيضاً حاضرين وبقوة ضد الاحتلال الفرنسي، ونجحوا بقوة في إفشال مخطط "سايكس بيكو" الرامي إلى تقسيم سورية إلى خمس دويلات، منها دولة للعلويين، وكانوا إلى جانب إخوانهم الدروز، حجر عثرة في وجه المؤامرة الطائفية التي أراد الفرنسيون إشعالها في البلاد، وقد خلد المناضل العلوي الشيخ صالح العلي تلك المرحلة في قصيدته الشهيرة:
بني الغرب لا أبغي من الحرب ثروة ... ولا أترجى نيل جاه ومنصبِ
تودّون باسم الدين تفريق أمةٍ ... تسامى بنوها فوق لونٍ ومذهبِ
فما شرعُ عيسى غير شرع محمدٍ ...وما الوطنُ الغالي سوى الأم والأبِ.
وقد كان الشيخ صالح عنوان النضال ضد الفرنسيين، الذين بدورهم حكموا عليه بالإعدام، وخصصوا جائزة خيالية لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقاله، كما دمرت عشرات القرى في محافظته "طرطوس" وأعدمت الآلاف من العلويين بتهمة التعاون معه، ومن ضمن القرى العلوية التي أحرقها الفرنسيون "الشيخ بدر" و"برمانة المشايخ" و"وادي العيون" و"بحنين" و"العنازة" و"كاف الجاع" وبلدة "قدموس"، والكثير من القرى التي أُحرقت عدة مرات.
بدورهم، خاض العلويون عشرات المعارك الدامية ضد الاحتلال الفرنسي، ففي عام 1920، خاضوا معركة "الدردارة" وتمكنوا من تحقيق بعض الانتصارات التي ساعدت في تعزيز الروح النضالية بينهم، أما المعركة الأشهر فهي "القدموس"، حيث استغل العلويون التضاريس الجبلية لصالحهم وأظهروا شجاعة في الدفاع عن أراضيهم، مما ساهم في إبطاء تقدم القوات الفرنسية.
وقد أثر النضال العلوي على الهوية الوطنية في سورية، حيث عزز كفاحهم من الهوية الوطنية السورية، وأظهر قدرتهم على التعاون مع مختلف الطوائف، هذا التضامن أسهم في بناء وحدة وطنية قوية ضد الاحتلال.
ولا غرابة بعد كل هذا النضال العلوي أن يسيطر أبناء الطائفة على المشهد السوري في مرحلة ما بعد الاستقلال، فهم أكثر السوريين وفاءً لوطنهم وعروبتهم، بينما غيرهم خاصة حكام سورية الجدد وأسلافهم، كانوا في تعاون تام مع الاحتلالين العثماني والفرنسي، وهذا بدوره رسم المشهد الدائر حاليًا في البلاد، فالاحتلال الخارجي لا يزال حاقداً على هذه الطائفة لأنها وقفت بقوة ضد هيمنته على عرب الشمال، وحالت دون استمرار احتلاله.
ويكفي أن تعادي جماعة الإخوان فئةً ما حتى نتأكد أنها فئة شريفة، فالإخوان اعتادوا على معاداة أعداء الصهاينة، وغالباً ما يتعاونون مع كل احتلال خارجي في سورية وخارجها، كما أنهم حاضرين للتنازل عن سيادة الأوطان وتسليمها للعدو الخارجي بلا ثمن، كما يفعل الجولاني وجماعته اليوم بسورية، أرض العرب الأحرار.
ويكفي أن النظام العلوي في سورية قدم للمقاومة الفلسطينية أضعاف ما قدمه سائر العرب لها، ودفع وجوده ثمناً لمواقفه المشرفة تلك، ومن البدهي أن يرجع العلويون إلى المشهد السوري من جديد، فالوطن بحاجة إليهم في وجه المؤامرة الأجنبية التي ينفذها الإخوان، وليس سواهم يجرؤ على الوقوف بوجه العدو الخارجي.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب