رصاص الجولاني وسكاكينه للسوريين وحدهم
السياسية || محمد محسن الجوهري*
"أسد علي وفي الحروب نعامة"، عبارة طالما ترددت على لسان المعارضة السورية إبان حكم الأسد، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالغارات الصهيونية على دمشق، لكنها سرعان ما انقلبت على الجولاني وجماعته فور سيطرتهم على كامل الأراضي السورية، ومباشرة العدو الإسرائيلي بقصف كل مكامن القوة العسكرية والمدنية، بدعم ومباركة السلطة الجديدة، ودون أن تنطق ببنت شفة لإدانة كل ذلك الإرهاب غير المسبوق، والذي قضى على قدرات الجيش السوري بالكامل، ورافقه تقدم بري لجيش الاحتلال الإسرائيلي بلا أدنى مواجهة من الثوار.
علاوةً على ذلك، أعلنت واشنطن عن تبنيها للنظام الجديد بقيادة الجولاني ومباركتها له، رغم أنها صنفته في الماضي قائداً إرهابياً، إلا أن المرحلة الجديدة تقتضي تصالح الغرب والإرهاب من جديد، كما فعلوا بالأمس في أفغانستان واليمن، وقريباً في منطقة الخليج العربي بعد أن ينتهي دور حكامها الخونة.
ورغم النعومة التي أظهرها الجولاني تجاه العدو الإسرائيلي، إلا أن سكاكينه لا تزال مشرعة في وجه المواطن السوري المغلوب على أمره، وبات محكوماً بالإعدام سلفاً، وبانتظار اختيار التهمة وتنفيذ الحكم لا أكثر، فاللغة المستأسدة للمعارضة السورية المرتبطة بالإخوان لا تزال على حالها حين يتعلق الأمر بالوضع السوري - السوري، قبل أن تتلاشى وتذهب أدراج الرياح في مواجهة أعداء الأمة من الصهاينة المجرمين.
أما الأسوأ من كل ذلك، هو خيانة الجولاني وجماعة الإخوان في سورية للقضية الفلسطينية، وطرد الجماعات المرتبطة بالمقاومة والمعسكرات التابعة لها، بذريعة أن سورية الجديدة لا تريد المزيد من العنف وتسعى إلى الاستقرار، وهو ما يترجمه العدو الإسرائيلي بأنه إعلان هزيمة وسقوط لكل البلاد، ما يدفعه للمسارعة في تحقيق أهدافه الاستراتيجية قبل أن يعود الحكم للشعب السوري، ويبدأ بثورته الفعلية ضد الاحتلال الأمريكي - الصهيوني القائم فعلياً في أغلب البلاد، ويتحكم في ثرواتها وأمنها القومي.
وبالنسبة للأمريكي، فإنه غالباً ما يختبئ خلف المصطلحات السياسية التي تغطي الحرج في سياساته المتناقضة، وأطلق على الجولاني صفة "براغماتي" بعد أن ألغى عنه تهمة الإرهاب، وأصبح بالإمكان إسقاط كل جرائم الذبح والإبادة التي ارتكبها بحق السوريين بتهمٍ طائفية ومناطقية، بسبب دعمه الجديد للكيان الصهيوني، ومباركته الضمنية لجرائم الإبادة التي يشنها ضد مسلمي غزة منذ عامٍ ونيف.
ولا نستبعد أن يُقدم الجولاني نفسه قرباناً للمشروع الصهيوني في سورية، حيث تتخلى واشنطن عن كل وعودها والتزاماتها له بتصفيته وتغييبه عن المشهد السوري، بعد أن تكون مصالح الغرب و"إسرائيل" قد تأمنت بالكامل، ولم يعد هناك حاجة لبقائه في رأس السلطة، كما هي عادة الغرب في التخلص من عملائهم، خاصةً أصحاب الفكر السلفي، كابن لادن والزرقاوي وغيرهم حيث لا ضمانات تحكم التعامل الأمريكي في سياسته العدوانية تجاه العالم الإسلامي.
في ظل هذه المعطيات، يبقى الشعب السوري ضحية صراعات سياسية معقدة تتداخل فيها المصالح الدولية مع الأجندات المحلية، إن الخيانة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية من قبل بعض الأطراف في الداخل السوري تُظهر مدى التراجع عن المبادئ التي كانت تُدافع عنها المعارضة في السابق، فبدلاً من التركيز على مواجهة الاحتلال يظهر أن هناك أولويات جديدة تتعلق بالبقاء في السلطة وحماية مصالح القوى الخارجية.
إن مستقبل سورية يعتمد على وعي الشعب وقدرته على التفريق بين من يدعي الدفاع عنه ومن يساهم في تدميره، فالتاريخ يعلمنا أن الشعوب هي التي تصنع التغيير، وعليها أن تواصل نضالها من أجل الحرية والكرامة، بعيداً عن المصالح الضيقة التي قد تجر البلاد إلى مزيد من الفوضى والدمار.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب