عبد الباري عطوان*

من المؤكد أن الصاروخ الباليستي فرط صوت اليمني الذي أصاب هدفه بدقة في قلب مدينة يافا الفلسطينية المحتلة فجر اليوم السبت سيدخل التاريخ، وسيحتل مكانة بارزة في العناوين الرئيسية للصراع العربي الإسرائيلي لعدة أسباب:
الأول: إيقاعه إصابات بشرية ضخمة بوصوله إلى هدفه اعترف العدو الإسرائيلي بإصابة ثلاثين حتى الآن يعتقد أن معظمهم من العسكريين، وأحدث حرائق كبرى يمكن مشاهدة السنة لهبها، وأعمدة دخانها من مسافة كبيرة، وهذه سابقة تاريخية.
الثاني: هذا الصاروخ الفرط صوتي لم يأت انتقاما للعدوان الأمريكي الإسرائيلي لصنعاء والحديدة، وانما جاء في إطار استراتيجية يمنية بتكثيف الضربات للعمق الفلسطيني المحتل دون توقف، جنبا إلى جنب مع استراتيجية قصف حاملات الطائرات والسفن الأمريكية والإسرائيلية في جميع بحار المنطقة، فلليوم الثالث تقصف قوات الجيش اليمني أهدافا عسكرية إسرائيلية بصواريخ فرط صوت، وتضامنا مع شهداء غزة.
الثالث: فشل جميع منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطورة، وعلى رأسها القبة الحديدية، ومقلاع داوود، وصواريخ حيتس و"ثاد" في اعتراض أي من صواريخ الفرط صوت اليمنية، ووصولها جميعا إلى أهدافها، وهذا ما يفسر فتح تحقيقات رسمية إسرائيلية لمعرفة الأسباب الحقيقية للفشل واعترافا بالهزيمة.
الرابع: تتميز هذه الصواريخ الباليستية الجديدة (قدس 1 وقدس 2) بتجهيزها برؤوس حربية متطورة جدا، وتملك قدرة كبيرة على المناورة، والانفصال عن "الصاروخ الام" قبل وصولها إلى أهدافها، مما يؤدي إلى فشل الصواريخ الاعتراضية المعادية في اعتراضها وتدميرها.
الخامس: تحول اليمن إلى دولة مواجهة رئيسية، وربما وحيدة مع دولة الاحتلال، رغم المسافة الهائلة التي تبعده عن فلسطين المحتلة، وتزيد عن 2200 كيلومتر، مما يعني أن الجوار الجغرافي المباشر بات يفقد أهميته في ظل وجود الصواريخ الفرط صوت، والمسيّرات المتطورة جدا.
ما يميز القيادتان السياسية والعسكرية في اليمن قدرتها على اتخاذ القرار بالقصف الصاروخي سواء للعمق الإسرائيلي أو لحاملات الطائرات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، وهذه صفة غير موجودة للأسف في أي من الدول العربية والإسلامية الصغرى والكبرى، وهي دول تفتقد إلى الشجاعة والمروءة وعزة النفس، وتبحث دائما عن الأعذار لتبرير جُبنها لتجنب الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على ترابها الوطني أو الدفاع عن المقدسات.
الظاهرة اللافتة التي تميز عمليات القصف اليمينة للعمق الصهيوني، والقواعد العسكرية والحساسة فيه، أنها بدأت توقع خسائر بشرية، ودمار كبير جدا، وهذا أكثر ما يزعج ويرعب المستوطنين وقيادتهم، وتقويض المشروع الصهيوني ويقتلعه من جذوره، فهذا القصف يأتي بعد هدوء الجبهة اللبنانية وسقوط سورية، ويفسد على نتنياهو وجيشه احتفالاتهم بهذه "الإنجازات"، فجميع الحروب العربية الرسمية مع دولة الاحتلال كانت على أراض عربية، وقصيرة جدا، ولم تصل مطلقا للمستوطنين، ولم تطلق صافرة إنذار واحدة في حيفا ويافا وباقي المدن العربية الأخرى المحتلة، وربما الاستثناء الوحيد كان عندما قصفت أكثر من أربعين صاروخا عراقيا لتل أبيب أثناء عدوان عام 1991.
هذا الموقف اليمني المشرف ربما هو مصدر الأمل الوحيد للصامدين في فلسطين المحتلة، الذين يواجهون حرب الإبادة والتطهير العرقي، والمجازر اليومية، بعد أن خاب ظنهم كليا بجميع أنظمة الحكم العربية والإسلامية، خاصة تلك التي ترفرف الأعلام الصهيونية في قلب عواصمها، ناهيك عن التعاون العسكري والاستخباري والتجاري العلني والسري مع دولة الاحتلال.
غزة ليست لوحدها، ويكفيها أن الشعب اليمني، أصل العرب يقف في خندقها، ولا ترهبه الغارات الإسرائيلية والأمريكية، ولا يتردد في تقديم الشهداء.
الأمر المؤكد أن اليمن العظيم لن يتخلى عن غزة ومجاهديها، وستستمر صواريخه الباليستية في زعزعة أمن واستقرار دولة الاحتلال، وكل القوى الاستعمارية الداعمة لها، فاليمن ظاهرة استثنائية، وبزّت الجميع في شجاعتها ووطنيتها وثباتها على الحق، والتعاطي مع العدو بأنفة وكبرياء ومخاطبته بالصواريخ والمسيّرات، وهي لغة القوة التي يجيدها ويخشاها الأعداء.. والأيام بيننا.

* المقال نقل من موقع رأي اليوم ويعبر عن وجهة نظر الكاتب