السياسية || محمد محسن الجوهري*

تعتبر كل من السعودية وقطر أن إرضاء الولايات المتحدة أمر حيوي للحفاظ على بقاء الأسرتين الحاكتين في السلطة، وفي ظل إدارة ترامب الأولى تحول الأمر إلى تنافس علني بين الدولتين، ما أدى إلى اندلاع الأزمة الخليجية وحصار قطر، ومحاولة كل طرف الاستقواء بالبيت الأبيض لضرب الآخر، وفي سبيل ذلك قدما التنازلات الكبيرة والسيادية، واستمر الحال حتى خروج ترامب من السلطة أواخر 2020.


ومع عودته الأخيرة إلى المكتب البيضاوي، تستعد الرياض والدوحة للدخول في جولة جديدة من الصراع لنيل رضا الرئيس الأمريكي، وللإضرار بالآخر قد الإمكان، وقد ظهرت بوادر الصراع في سورية، حيث تستميت الدوحة وحليفتها أنقرة، في تحييد الدولة السورية من محور المقاومة، وإيقاف أي خطر يتهدد العدو الإسرائيلي من هناك، وهو ما لم يتحقق خلال عقد من الزمان على يد المحور السعودي – الإماراتي في سورية، أو في بلد آخر من بلدان المحور.


وبما أن النظام السعودي فشل أيضاً في اليمن، فإن حظوظ الحكومة القطرية أكبر في إرضاء ترامب، وبالتالي فإن السنوات الأربع القادمة ستكون عصيبة جداً على الرياض، وقد تشهد انهيار كلي في المنظومتين الأمنية والدفاعية داخل المملكة، خاصةً إذا تسرعت وأعلنت الحرب على اليمن، خدمةً للعدو الصهيوني، وأسوةً بالإنجاز القطري في سورية.


لكن الاختبار اليمني أصعب بكثير من الاختبار السوري، وهذا في حد ذاته يمثل ثغرة على السعودية قد تستغلها قطر، وتوجه ضربة قاصمة للسعودية، على غرار ما فعلت بعد الأزمة الخليجية منتصف 2017، عندما انتقلت من التأييد العلني للعدوان على اليمن إلى مرحلة الاستنزاف غير المباشر للتحالف السعودي، وتحييد أكبر عدد من التشكيلات المسلحة الموالية له على الأرض، وإظهار مدى الإجرام السعودي وانتهاكاته البشعة بحق الشعب اليمني، وهو ما كان مغيباً على شاشة الجزيرة في السابق.


ورغم المصالحة الهشة التي بدأت مع وصول الديمقراطيين للسلطة، لا يزال التنافس الإعلامي والحرب الباردة قائمة بين الطرفين، وتستخدم كل من الرياض والدوحة قنواتها الإعلامية لترويج مواقفها وتعزيز صورتها أمام العالم. هذه الاستراتيجية الإعلامية تزيد من حدة التوترات وتعمق الانقسامات بينهما، حيث تسعى كل دولة لإظهار نفسها كداعم رئيسي للكيان الصهيوني، وقضايا أخرى في المنطقة، على حساب القضية الفلسطينية.


وفي حال تطورت الأمور إلى المجال الاقتصادي، فإن كل نظام مهدد بأن يخسر مصالحه في المنطقة، خاصةً أن المملكة مقبلة على رؤية جديدة للاقتصاد تتطلب السلام الشامل وتجنب أي صدامات مسلحة مع جيرانها، خاصةً في اليمن، سيما لو استثمرت قطر في دعم القوة الصاروخية والطيران المسير اليمني، وهي التهمة ذاتها التي وجهتها لها المملكة في المرحلة الأولى من الصراع، وفي حال حدث ذلك، فإن رؤية 2030 خرجت عن الخدمة قبل أن تبصر النور.


من جهتها تستغل إسرائيل هذا التنافس لضرب أعدائها في محور المقاومة، وتمويل الأنشطة الإرهابية والاغتيالات ضد قيادات المحور، كما حديث باغتيال الشهيد قاسم سليماني، وغيره من القادة، ما يعزز الاستراتيجية الصهيونية الرامية للهيمنة على المنطقة، وإخلائها من أعداء الكيان، وهو ما يُسمى بمشروع " الشرق الأوسط الجديد".


في الختام، إن التنافس السعودي - القطري في ظل إدارة ترامب يعكس الديناميكيات المعقدة في السياسة الإقليمية. هذا الصراع ليس مجرد مواجهة بين دولتين، بل هو جزء من لعبة أكبر تشمل القوى العالمية والمحلية. سيكون من المهم مراقبة التطورات المستقبلية وكيف ستؤثر على استقرار المنطقة ومصالح الدولتين، حيث إن نتائج هذا النزاع قد تحدد ملامح السياسة في الشرق الأوسط لعقود قادمة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب