السياسية || محمد محسن الجوهري*

إذا رأيت دول الخليج تصطف خلف موقفٍ ما، فاعلم أنه من صميم الصهيونية، كما يحدث منذ 2011 في سورية، و2015 في اليمن، ما عدا ذلك فهم مختلفون في كل تفاصيل السياسة والحياة، ولو أُتيحت لكل دولة الفرصة للإطاحة بالأخرى، لفعلت ذلك بلا تردد، كما يشهد التاريخ على دعم الرياض للانقلابات في قطر منذ منتصف التسعينيات، ورهان الأخيرة على إحداث فتنة داخلية -دينية ومناطقية- للتخلص من شرور الجارة الكبرى.

الأسوأ من كل ذلك، هو حديث الإعلام الخليجي عن قضايا مثل الحرية والديمقراطية في البلاد العربية الأخرى، وكأن تلك الدول واحة للحريات والتبادل السلمي للسلطة، لكنها تردد الترهات الصهيونية بلا تركيز، وتسلط سهامها على نقاط الضعف التي تعاني منها سائر الأنظمة العربية دون أن تميز بأنها أكثر وحشيةً وقمعاً لشعوبها، وأن سجونها تكتظ بنسب كبيرة من مواطنيها بتهم تتعلق بحرية التعبير أو انتقاد السلطة.

إذا صادف وجود نظام عربي لا يقمع شعبه، فإن دول الخليج تسعى لدعمه بصورة تجعل منه طاغيةً على قومه. تساهم في تمويل أجهزته الأمنية لملاحقة المعارضين، وتعمل على إنشاء السجون والمعتقلات، وتشكيل قوات لمكافحة الشغب، لتقمع أكبر عدد ممكن من المواطنين. وإذا ما اختلف مع الغرب بشأن أمرٍ من ثوابت الأمة، سلطت أدواتها الإعلامية عليه، وشنت عليه حملات من الشيطنة والترهيب السياسي، لتجعله خاضعاً لرغبات واشنطن وتل أبيب. وحينئذٍ سترضى عنه وتعود لإعادة إنتاج طغيانه وقمعه لأبناء جلدته.

ولو تتبعنا خارطة الأحداث في المنطقة، وفرزناها بين معادٍ أو مؤيدٍ لـ"إسرائيل"، لرأينا أنها (دول الخليج) مجمعة تماماً على تبني الموقف المؤيد للكيان، ومعاداة كل من يعاديه أو يتبنى القضية الفلسطينية، بدليل ما نراه بحق إيران، فقد كان نظام الشاه مقدساً لدى حكام الخليج كافة بسبب عمالته للغرب وعدوانيته تجاه الأنظمة الخليجية، حتى إذا تغير موقف طهران من القضية الفلسطينية، وتبنت الموقف الصحيح تجاهها، توحدت كل تلك الدول خلف راية العداء الصهيوني ضد إيران، وتبنت الحملات المشوهة لإيران من جهة، والعبث بأمنها القومي من جهةٍ أخرى، ولو عاد الشاه من جديد لعادوا إلى عبوديتهم المطلقة له، رغم ما سيمارسه بحقهم من تسلطٍ وإرهاب.

إلا أن ذلك الإجماع المطلق على كل ما هو منكر لا يخلو من أعراضٍ جانبية، دفعت تلك الدول إلى التحزب في فريقين متناحرين، يسعى كلٍ منهما إلى التخلص من خصمه بأي طريقةٍ كانت، ولو باللعب بالملفات القومية الحساسة، وقريباً سيسقط أحد المعسكرين على يد الآخر، فالنتيجة الطبيعية لمن يفني حياته في العمالة أن يكون موته بسبب العمالة نفسها، وفي ذلك العار والخزي في الدارين.

ولو أنهم أنفقوا حياتهم وسلطتهم للدفاع عن القضية الفلسطينية لكانت خسائرهم هينة، إذ هي في سبيل المستضعفين من أبناء ملتهم وللوقوف في موقف الحق الذي لا خسارة فيه على الإطلاق.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب