أيهما أصح: "سورية" أم "سوريا"؟
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في خضم الأزمات المتعاقبة التي تعصف بسورية، يبدو أن الوضع المأساوي قد يطال جوانب عديدة من الحياة الثقافية، وعلى رأسها اللغة العربية التي كانت دائمًا رمزًا للفصاحة والبلاغة، فقد كانت سورية على مر العصور، منارة للبلاغة حيث تميز ساستها وأدباؤها بأسلوبهم الرفيع في الخطابات السياسية والإعلامية، لكن اليوم، نلاحظ تغيرًا يطال اسم "سورية" نفسه، الذي بدأ يتحول إلى "سوريا"، مما يعكس تغيرًا أعمق في الهوية الثقافية.
لقد كنا، نحن اليمنيين نغبط السوريين على بلاغتهم، خاصة في ظل ما عانيناه من بلادة زعمائنا على مدى عقود، فقد كان علي عبدالله صالح على سبيل المثال، لا يفرق بين "لم" و"لن"، أما عن المرفوع والمنصوب، فحدث ولا حرج، كانت تلك فترة وصمة عار في حق كل يمني، خصوصًا ونحن نفاخر الآخرين بأننا منبع العروبة وأصلها التليد.
وبات اليوم بالإمكان -ولأول مرة- السخرية من السياسيين السوريين، واتهامهم بالجهل وسوء استخدام اللغة وسيمتد أثر ذلك إلى الإعلام والثقافة السورية، وستكتظ المسلسلات التاريخية بالأخطاء الإعرابية، لتغدو مثل نظيراتها المصرية، كما أن الدبلجة العربية لمسلسلات الأطفال ستنحدر بمستواها الرفيع، بعد أن كانت مرجعًا لطلاب اللغة العربية من المحيط إلى الخليج.
وقد يجد طالب العلوم العربية نفسه مضطراً لدراسة النحو والصرف والأدب في الجامعات الخليجية، التي بدأت تقدم نفسها قلاعاً حصرية لتعليم الأدب العربي، وهنا ستمتلئ الساحة الإعلامية والثقافية بمسوخ أدبية رخيصة، كما هو حال أغلب المثقفين في منطقة الخليج، وليس الأمر مستغربا، فأغلب مدرسي الأدب العربي هناك من الهنود والبنغال والباكستانيين.
ونأسف أننا كنا نسمع -خلال السنوات الماضية- شكاوى المثقفين السوريين من تأثير الحرب على اللهجات السورية، والتي تعرضت لضغوط وتغيرات كبيرة بسبب موجات النزوح والتشريد، مما أدى إلى ظهور لهجات مهجنة وبملامح غير ثابتة، دخلت بعض المفردات والتعابير الجديدة المستمدة من تجارب الحرب، مما أثر على الهوية اللغوية للسوريين، وأنذر بتراجع التنوع اللغوي وتآكل الفروق الدقيقة بين اللهجات، التي كانت جزءًا أساسيا من الثقافة المتنوعة والمعروفة في سورية.
أما اليوم، فكيف سيكون عويلهم وهم يرون أن قلعة العروبة السورية مهددة بالسقوط، بينما تتلاشى معالم الفصاحة والبلاغة التي كانت تميزهم عن سائر الأشقاء العرب؟ إن مهمتهم في الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية أصبح تحديا كبيرا، يتطلب تضافر الجهود وإعادة البناء ليس فقط على المستوى اللغوي، بل على جميع الأصعدة، فتأثير السياسة والمؤامرات الخارجية قد يُفقد دمشق تفوقها الثقافي للأبد.
ملاحظة: الأصح أن نكتبها "سورية"، لأن الأسماء العربية المؤنثة لا تنتهي بألف ممدودة (سوريا)، بل بتاء مربوطة أو همزة أو ألف لينة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب