السياسية || محمد محسن الجوهري*

ليس الغرض من ذلك الإساءة للناشطة اليمنية توكل كرمان، فهي ذات أخلاق عالية ونبل رفيع، ويشهد على ذلك كل من يعرف شخصها الكريم، لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فإنها على قدر كبير من التناقضات، فما هي عليه اليوم يختلف عما كانت عليه بالأمس، وربما لن تكون كذلك في المستقبل، نتذكر مواقفها المؤيدة للعدوان السعودي على اليمن، وتجاهلها الكبير لجرائمه المروعة في سنواته الأولى، قبل أن تتبدل مواقفها جذرياً عقب الأزمة الخليجية وحصار قطر منتصف العام 2017.

وحالها السياسي يشبه حال جماعة الإخوان عموماً، ولهم في تبرير تناقضاتهم فلسفة دينية أقرب إلى عقيدة "ماكيافيلي" البراغماتية منها إلى الإسلام، أو حتى إلى عقيدة سيد قطب، رحمة الله عليه، الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه الدينية، لكن جماعة الإخوان في زمننا تركته وتركت أمثاله، واتخذت من رجب أردوغان نبياً لها، وهو الشهير بشعاراته العظيمة ومواقفه الانتهازية، ومن البدهي لمثلهم أن يتحولوا إلى جماعة من المتلونين في الدين والسياسة، سيما إذا صاحب ذلك التبدل عروض مغرية من الخزينة القطرية.

ولا يستحق مثل هؤلاء أن يديروا دولة، أو حتى مؤسسة من مؤسسات الخدمة العامة، لأنهم على استعداد للتنصل عن مواقفهم السابقة، وإنكار أي مسؤولية أخلاقية أو قانونية مترتبة عليها، ولن يستحي أحدهم أن يظهر في وسائل الإعلام بخطابٍ سياسي يختلف كلياً عما قاله عن الموضوع نفسه بالأمس، إذا اقتضت ذلك مصلحته الشخصية، فالدين في عقيدتهم وسيلة وليس غاية، وليس لغير مصالحهم الخاصة يضمرون الولاء أو يحفظون العهود.

وهذا النموذج غير الملتزم هو الحاكم اليوم في سورية، وما الجولاني إلا نسخة أخرى من توكل كرمان، لا يكترث لغير مصلحته الخاصة وأرصدته في تركيا، وعلى استعداد لمناقضة نفسه حسب ما تقتضيه مصالح الخارج، وبما يمليه عليه أولياء النعمة في أنقرة والدوحة، ويمكنكم متابعة تصريحاته ومواقفه السابقة، وحتى شكله واسمه قابلان في رأيه للطرق والسحب، فكيف بمصلحة سورية وشعبها، فهم أرخص لديه من الدين الذي يتاجر به.

وبما أن موقفه من الاحتلال الإسرائيلي في سورية وفلسطين هو موقف قطر وتركيا، فإن بلاده مقبلة على أيامٍ سوداء مظلمة، وسيكون الاقتتال الداخلي هو العنوان الأبرز في الأخبار اليومية عن سورية، ولن يجرؤ هو أو غيره من قادة الفصائل المسلحة على إطلاق رصاصة واحدة على جنود الاحتلال، لأن في ذلك مخاطرة كبيرة بمصالحهم الخاصة المرتبطة بالمال القطري.

وبالنظر إلى ماضيه القريب، فإن براجماتية الجولاني هي من جعلته محل ثقة الأطراف المعادية لبلاده، ومكنته من رقاب الفصائل الأخرى بقوة المال والسلاح، لأنها ترى فيه البيدق الرخيص الذي تحكم من خلاله سورية، وتدمر مصالحها ومقدراتها لصالح العدو الصهيوني، فيما كتائبه ومسلحوه يذبحون أبناء الشعب السوري بذَرائع واهية، ويختلقون كل يوم ذريعة لإبادة طائفة من السوريين، كما كان الحال أيام حكمهم في داعش، فالاسم فقط تغير، أما العقيدة فعلى حالها، والقادم للأسف أسوأ إذا لم ينتفض السوريون ضد الهيمنة الصهيو- خليجية على المشهد السياسي في سورية.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب