رحلة آل سعود المضنية في البحث عن الكرامة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
إذا جربنا وسألنا برنامجاً للذكاء الصناعي عن جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين، فسيجب حتماً بالنفي. أما إذا سألناه عن جريمة بعينها من جرائمه في غزة، فسيرد الأمر إلى تقارير إعلامية تحدثت عن ذلك، ولا مجال للتأكد من صحتها. وهكذا في كل ما يتعلق بجرائم العدو، والسبب أن القائمين عليه برمجوه بهذه الكيفية، ولا غرابة في ذلك لدى من يعرف خبث اليهود ومكرهم.
ولكنك إذا سألته عن وضع الحقوق والحريات في السعودية، فسيسهب كثيراً في الحديث عنها، وستتعب وأنت تتابع الشواهد التي يوردها تباعاً عن جرائم آل سعود، وعن مأساة الحقوق والحريات في بلادهم. كما لن يبخل أبداً في تزويدك بقوائم من المضطهدين والمخفيين قسراً في سجون النظام السعودي، بعضهم بدوافع سياسية، والأغلب بحجج طائفية أو مناطقية، كما هي عادتهم في البطش بمواطنيهم.
وسيتكرر الأمر إذا سألت عن حالة البدائية والتخلف التي يعيشها سكان المملكة، وعن أسبابها، وكيف أن النظام يستغبي مواطنيه بأساليب مختلفة كالتعليم والتثقيف الإعلامي. وأن المواطن السعودي لا يحصل على أدنى معايير العيش الكريم، خاصةً إذا تعلق الأمر بالحقوق والحريات، حيث إن النظام يُعد واحداً من أكثر الأنظمة القمعية في العالم.
والجواب الذي يقدمه الذكاء الصناعي هنا يكشف نظرة الغرب للنظام السعودي، بأنه لا يحظى بأي احترام في نواميسهم، رغم أنه -فعلياً- من ينفق على البلدان الغربية، ويقدم لها الثروات العربية بالمجان، فيما الكيان الصهيوني برمته عالة على تلك الدول، ولا يرعى جميلها كما هي -من جهتها- لا ترى جميل آل سعود.
وهذه الرؤية الدونية لآل سعود تختصر الكثير من الحديث حول تعامل الغرب مع آل سعود من جهة، ومع الكيان من جهةٍ أخرى. وبأن سقوط النظام أو حتى إسقاطه يبقى ورقة محتملة يشهر الغرب في وجههم باستمرار، وقد يفعلها في أي لحظة إذا ما خرجوا عن النص، أو توقفوا عن دفع الجزية للدول الغربية وللكيان الصهيوني.
ومع ذلك، لن يتوقف آل سعود في خضوعهم المطلق للهيمنة الغربية، عن تقديم مصالح بلادهم لأعدائهم. وفي النهاية سيسقطون كما سقط غيرهم من قبل، وعلى يد من جاءوا بهم إلى السلطة أيام والدهم عبدالعزيز، ورهنوا بقاءها بكرامتهم وكرامة الإسلام كافة، واشترطوا عليه معاداة كل من يعادي المصالح الغربية في المنطقة. وهي الوصية التي نفذها وينفذها أبناؤه من بعده بشكلٍ حرفي، رغم أنهم لا يلتزمون بأي مبادئ أو أعراف إلا بقدر ما يظهرونه في المناسبات الوطنية أو على شاشات التلفزة.
وكان الأجدر بهم أن يتنكروا لها كما تنكروا لدينهم وعقيدتهم، وأن يقدموا في سبيل ذلك التضحيات. إلا أنهم اختاروا مسلك آل فرعون في الكفر والعناد، باستثناء أن آل فرعون كان منهم مؤمنٌ واحد، فيما عدمت نساء آل سعود أن تأتي برجلٍ رشيد، ليرفع عن آبائه عار الذل والخيانة.
وبما أن المنطقة مقبلة على موجة من التصعيد الغربي، فإن واشنطن ستسوق عملاءها للتصعيد ضد محور المقاومة بالقوة، وهو ما قد يفقدهم عروشهم إلى الأبد. كما لا ننسى أن دول الخليج متناحرة فيما بينها، وقد تستغل التصعيد المقبل لتصفية حساباتها الداخلية، كما فعل آل ثاني مع الدولة السعودية الأولى، عندما تحالفوا مع الأتراك ضد آل سعود وأقصوهم من الحكم ومن الجزيرة العربية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب