السياسية || محمد محسن الجوهري*

لم يكن مستغرباً على الإطلاق فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة مجدداً، فمصلحة الصهاينة تقتضي وجوده بالبيت بالأبيض، فهم يرون فيه الرجل القوي الذي سيحمي بقاء الكيان الصهيوني، خاصة وأن المرحلة حساسة جداً بالنسبة لليهود بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، والتي كشفت مستوى هشاشة الجيش الإسرائيلي، بعيداً عن الحماية الأمريكية.

ولا حقيقة لوجود ديمقراطية فعلية في الولايات المتحدة؛ فمصالح اليهود قبل كل شيء ومن يتنصل عنها فلن يصل إلى أي منصب حساس في البلاد، كما أن البلدان الديمقراطية لا تكتفي فقط بحزبين سياسيين، وكلاهما مرتبطان بمصالح اليهود، أي أننا أمام دول الحزبين التي لا تختلف كثيراً عن دول الحزب الواحد، والتي تتهمها أمريكا بمعاداة الديمقراطية.

أما بالنسبة للحرية في بلاد العم سام، فهي حقيقة لكن مشروطة، وأي تصادم مع الصهيونية العالمية ومصالحها فهو محظور حتى على حكام البلاد، ومن يخرج منهم عن الخط المرسوم له فسيلاقي مصير أبراهام لنكولن وجون كينيدي وجيمس إيه غارفيلد وويليام ماكينلي، وجميعهم رؤوساء أمريكيون قضوا غيلةً قبل خروجهم من السلطة، ولأسباب لا تزال - في أغلبها- غامضة حتى اليوم.

وعن ترمب والمرحلة القادمة، فإن المتوقع هو المزيد من التصعيد ضد المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، وهذا هو الطبيعي والقائم منذ سنوات، لكن الجديد أن يحشر ترمب محور الخيانة والتطبيع في حربٍ مباشرة ضد المحور، كما سبق وحشرهم إلى التطبيع المباشر والعلني خلال رئاسته الأولى، كما سيتمادى أكثر وأكثر على حلفائه في المنطقة، كالنظام السعودي وسيكيل له الإهانات باستمرار لعلمه بأن هذه السياسة مجدية مع الحكام الخونة، وبأنهم على استعداد لقبول إساءاته ما دامت مصالحهم باقية ولم تتضرر.

وبالنسبة لمحور المقاومة، فإن التصعيد المباشر، بينه وبين أدوات واشنطن، سيكون في صالحه لأن الحرب ستكون بالمفتوح، ويستطيع عندئذٍ ضرب المصالح الأمريكية في الخليج بشكلٍ مباشر، وهو ما سيضر لاحقاً بمصالح الكيان الصهيوني، وسيفصله عن مكامن القوة لديه وأبرزها الأنظمة العميلة، كحكام الخليج والسيسي وأردوغان.

وفي أسوأ سيناريو بالنسبة لحكام التطبيع، إذا لم يجبرهم ترمب على الدخول في الحرب المباشرة مع محور المقاومة، فإنه سيجبرهم على دفع تكاليف العدوان الصهيوني في غزة ولبنان، كما سيفرض عليهم سداد فاتورة الضربات الجوية التي نفذتها واشنطن ولندن في اليمن بهدف حماية الملاحة الصهيونية، وسيظهر ذلك من خلال تكثيف الغارات الجوية على المنطقة.

أما عن أوراق الضغط المضادة فهي كثيرة، ويستطيع اليمن -على سبيل المثال- أن ينتقم لتلك الغارات بسهولة، وعبر ضرب مصالح أمريكا في المنطقة، مثل حقول النفط ومدينة دبي وغيرها، فاستهداف تلك المصالح أسهل بكثير من استهداف أم الرشراش ويافا وعسقلان في فلسطين المحتلة، وفي ذلك أيضاً إضرارٌ كبير بالمعسكر الصهيوني ومصالحه في الخليج.

ولن يكون الوضع أسوأ في اليمن من سنوات العدوان الثمان، سيما والبلاد تمتلك خيارات استراتيجية كبرى، وصواريخ فرط صوتية من شأنها ضرب أي موقع في الخليج خلال دقائق، بما فيها قصور الحكام وأجهزة استخباراتهم ومواقعهم العسكرية، وسيلاقي ذلك ترحيباً واسعاً في عموم العالم الإسلامي، بعد أن باتت الرياض وتل أبيب وجهان لعملة واحدة في العلن، وكل ذلك بفضل ترمب وسياسته المتهورة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب