السياسية:

حسان الحسن*


بعدما استفحل العدو الصهيوني في إجرامه، على مدى نحو 76 عامًا، بحق أبناء المنطقة، بخاصةٍ الشعب الفلسطيني، جاءت عملية "طوفان الأقصى" ردًا مناسبًا على هذه الجرائم نصرةً للمظلومين، وضربةً قاسمةً لتمرير "مشروع تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الإسرائيلي" وتصفية القضية الفلسطينية تاليًا، ومحاولة إسقاط حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، عملًا بالقرار الدولي الرقم 194، والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948. والسيطرة على مدينة القدس وأحيائها الفلسطينية..

لذلك؛ كل ما ورد آنفًا يؤكد، بما لا يصل إلى مستوى الشك، أن "إسرائيل" وجهّت -وما تزال توّجه- الضربات لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ فكان رد المقاومة الفلسطينية حتميًا، حينما أطلقت عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول من العام الفائت. ولا ريب أن المقاومة الفلسطينية كان لديها تقدير مسبق ودراية كاملة أن الأثمان ستكون باهظةً. غير أن هذه المقاومة حسمت أمرها، واتخذت قراراها بإطلاق "الطوفان" في فجر السابع من تشرين الأول من العام 2023.

سبق تلك الساعة الإعداد البشري واللوجستي اللازم لتنفيذ هذه العملية المباركة، ولم تعلن القيادة العسكرية للمقاومة في فلسطين عن طبيعة هذه العملية إلا قبل وقتٍ وشيكٍ من موعد تنفيذها، حرصًا منها على نجاحها. وبعد إطلاع المقاومين على المهمة الموكلة إليهم؛ أبدوا حماسًا كبيرًا للمشاركة في "الطوفان"، بحسب مصادر عليمة في المقاومة الفلسطينية. وكانت المفاجأة للمقاومين هي سرعة انهيار العدو "الإسرائيلي" في غلاف غزة.

لكن تبقى النتيجة الأكثر أهمية، من نتائج هذه العملية، هي إسقاط مخطط تطبيع علاقة العدو مع بعض الدول العربية، والتي كانت في صدد الذهاب نحو "التطبيع" قبل قيام دولة فلسطينية مزعومة. كذلك أثبتت أن المقاومة نهجٌ وحالٌ قائمة في نفوس الفلسطينيين، وليست مجرد تنظيم مسلح، لم ولن يفلح العدو تاليًا، ومن يقف خلفه، في القضاء عسكريًا على روح الفلسطينيين المقاوِمة.

هذا؛ "وفي حال حاول هذا العدو، ورعاته الدوليون، الإتيان بسلطةٍ ما إلى قطاع غزة على متن دبابةٍ "إسرائيليةٍ"، فستتعامل معها المقاومة على أنها سلطة صهيونيةٍ"، بحسب تأكيد مصادر المقاومة في القطاع. ولولا أهمية هذه العملية النوعية، وتأثيرها المباشر على أمن الكيان الغاصب ووجوده والمشروع الأمريكي في المنطقة، لما أوفدت واشنطن وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى هذا الكيان ثلاث مرات في غضون عشرة أيام تلت "الطوفان".. بالإضافة إلى سواه من الرؤساء والموفدين الأجانب، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما أرسلت واشنطن حاملات طائراتها ومدمّراتها إلى الشرق الأوسط، لشدّ أزر الكيان الغاصب، إثر الصفعة الكبيرة التي تلقاها.

في المقابل؛ تلقت المقاومة الفلسطينية دعمًا من حلفائها حركات المقاومة في اليمن والعراق ولبنان، أبرزها جبهة الإسناد المباشرة مع العدو من جنوب لبنان، فتحتها المقاومة في لبنان مع العدو، انطلاقًا من إيمانها العقائدي بأحقية الشعب الفلسطيني وحتمية اقتلاع الكيان الصهيوني الغاصب الذي زرعته بريطانيا في المنطقة. كذلك بناءَ على تجربتها الناجحة في هزيمة الاحتلال "الإسرائيلي" في لبنان خلال حقبة 1982- 2000، تبع ذلك هزيمة جيش الكيان في عدوان تموز 2006.

لذلك؛ قررت المقاومة اللبنانية إسناد "شقيقتها" في قطاع غزة، وفتحت جبهة الإسناد من جنوب لبنان، في هامش مساحة جغرافية تتراوح بين 3 إلى 5 كيلومترات.. وكان لها ما أرادت، فجذبت إلى الجبهة الشمالية ثلث جيش العدو، في حينه، وأجبرت عشرات آلاف المستوطنين الصهاينة إلى النزوح من شمال فلسطين إلى داخلها، ورتّب ذلك على حكومة العدو أعباءً اقتصادية كبيرة، بعدما تحوّل الشمال إلى حزام أمني.

كما أظهرت المقاومة بذلك أحقية الدفاع الاستباقي عن لبنان، لتظهر لاحقًا في أكثر من محطة النيات العدوانية "الإسرائيلية" التي كانت مبيتة تجاه لبنان، خصوصًا حينما كشفت التقارير الصحافية "الإسرائيلية" والأمريكية وسواها أن: "عملية تفجير أجهزة الاتصالات "بيجر" واللاسلكي، جرى الإعداد لها منذ تسعة أعوام"، وأن "الموساد" خطط لتفجيرها منذ العام 2022 اي ما قبل "طوفان "الأقصى".. هذا على سبيل المثال لا الحصر، أي إنّ العدو كان في صدد الاستعداد للهجوم الوحشي الذي يشنّه اليوم على لبنان، حتى لو لم تفتح المقاومة جبهة الإسناد..

لا ريب أن "طوفان الأقصى" وجبهة الإسناد أدّيا إلى تحولٍ كبيرٍ في السياسات الدولية، أيضًا، بعدما نقلا ثقل الاهتمامات الدولية، خصوصًا الأمريكية، من كيفية مواجهة الصين والحرب مع روسيا في أوكرانيا إلى الأوضاع في المنطقة، ما جعل القضية الفلسطينية تتفاعل بفضل المقاومة وتتصدّر المرتبة الأولى عالميًا بعدما تعرفت الشعوب الغربية لا سيما فئة الشباب منها على أحقية هذه القضية من جهة، ورأت بأم عينها حجم الإجرام الصهيوني في فلسطين ولبنان.


* المادة نقلت من موقع العهد الاخباري