السياسية - تقارير || مرزاح العسل*

بعد رحلة كفِاح طويلة قارع خلالها العدو الصهيوني الغاصب، عدو الأمة الأول، امتدت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.. التحق سيد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بركب الشُهداء العظُماء، بعد أن أفنى عمره مُدافعاً لقضايا الأمة، وفيًّا للشعب الفلسطيني في غزة من خلال تمسكه بمعركة الإسناد منذ اليوم الثاني لحرب الإبادة الصهيونية.

ويعُتبر سيد الشهداء حسن نصرالله من أوائل وأبرز المدافعين عن اليمن ومظلومية الشعب اليمني، مع بدء العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الغاشم على اليمن الذي بدأ في 26 مارس من العام 2015م، حيث كان أول من وقف مع اليمن وسانده بمواقفه الواضحة والصادقة.

ومع صدور بيان نعي حزب الله اللبناني اليوم السبت، أمينه العام سيد المقاومة، العبد الصالح السيد حسن نصرالله، الذي انتقل إلى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا، فجع الشعب اليمني كغيره من شعوب وأحرار الأمة، برحيل رمز من رموز العزة، والشجاعة، والشموخ، والكرامة، والحرية، والإباء.

وجاء في بيان النعي اليوم: "لقد التحق السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوًا من 30 عامًا، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفًا سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000 وإلى النصر الإلهي المؤزر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولًا إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم".

ونددت اليمن وإيران والعراق، وفصائل المقاومة الفلسطينية في بيانات لها باغتيال العدو الصهيوني للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.. مؤكدة ثقتها الكاملة في أن نهج السيد نصرالله سيتواصل رغم اغتياله، ومُجددة تضامنها المُطلق ووقوفها "صفا واحدا مع الإخوة في حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان".

وبعد تأكيد حزب الله اغتيال العدو الصهيوني أمينه العام حسن نصر الله، برز إسم القيادي في حزب الله هاشم صفي الدين كمرشح مُحتمل لخلافة السيد نصر الله بمنصب الأمين العام لحزب الله، حيث اتضح أنه لم يتعرض إلى الاغتيال، والذي يشغل حالياً منصب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، وتربطه صلة قرابة عائلية مع السيد نصر الله.


من هو السيد حسن نصر الله:

تولى السيد حسن نصرالله منصبه كأميناً لحزب الله اللبناني يوم 16 فبراير 1992 خلفا للأمين العام السابق عباس موسوي، الذي اغتاله العدو الصهيوني بإطلاق صاروخ على موكبه، ويعتبر هو الأمين العام الثالث للحزب.

تلقى تعليماً دينياً في مراكز وحوزات في لبنان والعراق وإيران، وانخرط في حزب الله، حتى تولى قيادته ليشهد الحزب نهضة وتطورًا كبيرًا وبات يشكل رقمًا صعبًا في مواجهة كيان العدو الصهيوني.

نال السيد نصرالله عن استحقاق لقب "سيد المقاومة"؛ لدوره في قيادة حزب الله بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الصهيوني الذي استمر 22 عاماً، ثم في مواجهة الكيان الغاصب في حرب يوليو 2006.

ومع استشهاده استحضر متابعون، كلمات سيد المقاومة قبل أكثر من 20 عامًا عندما اغتال الاحتلال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين.. وحينها قال شــهيد اليوم السّيد حســن نصــرالله: "اعتبرونا نحن في حزب الله من أمينه العام إلى قادته ومجاهديه وكباره ونسائه وصغاره أعضاءً في حركة حمــاس، واعملوا أنّنا بإذن الله سَنَفي وعدنا بهذا الالتزام والانتماء".

كان للقائد الراحل دورًا كبيرًا في تدبير عمليات تبادل لإعادة أسرى لبنانيين وعرب وجثامين مقاومين كان يحتجزها العدو الصهيوني.

وكانت خطبه الحماسية وشخصيته القوية من العوامل التي أكسبته شعبية في العالمين العربي والإسلامي، وكانت كلماته تحظى بمتابعة واسعة واهتمام كبير.. وعلى مدى سنوات طويلة حظي السيد نصر الله بتقدير واسع في العالمين العربي والإسلامي خاصة لدور الحزب في تحرير الجنوب، وكذلك حرب 2006.

عاد اسمه إلى واجهة الأحداث مع عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في فجر السابع من أكتوبر الماضي، والتي تلاها حرب إبادة صهيونية على قطاع غزة استمر شهورا وقتل فيه آلاف الشهداء.

وأعلن السيد نصرالله عن فتح "جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية".. مؤكداً حتى قبل أيام قليلة من اغتياله أنها لن تقف إلا بعد إنهاء الحرب على غزة، رافضًا كل المساومات في هذا الإطار.





المولد والنشأة والتعليم:

ولد السيد حسن عبدالكريم نصرالله في 31 أغسطس1960 في بلدة البازورية القريبة من مدينة صور في جنوب لبنان.. والده عبدالكريم نصرالله ووالدته نهدية صفي الدين، وهو الإبن البكر من بين ثلاثة أشقاء وخمس شقيقات، تزوج من فاطمة ياسين، وله منها خمسة أبناء هم: هادي وزينب ومحمد جواد ومحمد مهدي ومحمد علي.

وقتل جيش العدو الصهيوني إبنه البكر هادي سنة 1997 في مواجهات في منطقة جبل الرفيع بجنوب لبنان، وبقي جثمانه مُحتجزاً إلى أن اُستعيد عام 1998 ضمن 40 جثة لشهداء لبنانيين وأسرى في عملية تبادل مع الكيان الصهيوني.

تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "الكفاح" الخاصة في حي الكرنتينا بالضاحية الشرقية لبيروت، وهو أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة "الثانوية التربوية" في منطقة سن الفيل.

وعادت عائلته إلى مسقط رأسه في بلدة البازورية عند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وفيها واصل تعليمه في المرحلة الثانوية، والتحق بالحوزة العلمية في مدينة النجف في العراق عام 1976 وكان عمره 16 عاما، وبدأ مرحلة الدراسة الدينية، وفيها تعرف على عباس موسوي -الذي أصبح لاحقا الأمين العام لحزب الله- وأشرف على تعليمه وتكوينه.

وعاد عام 1978 إلى لبنان، والتحق بحوزة الإمام المنتظر في بعلبك، وهي مدرسة دينية أسسها الموسوي تعتمد نفس المناهج المتبعة في مدرسة النجف.. وسافر في نهاية الثمانينات إلى إيران لمواصلة تعليمه الديني في مدينة قم، التي تعد ثاني أهم مركز ديني تعليمي للشيعة، ثم عاد بعد سنة إلى لبنان.


التجربة السياسية والتنظيمية:

انضم إلى حركة أمل خلال مرحلة دراسته الثانوية، ورغم حداثة سنه عُين مسؤولا ًتنظيمياً للحركة في بلدة البازورية، وبعد عودته من الدراسة في العراق استأنف نشاطه السياسي والتنظيمي في الحركة، إذ عُين سنة 1979 مسؤولاً سياسياً لمنطقة البقاع وعضوا في المكتب السياسي.

وانسحب في عام 1982 من حركة أمل مع مجموعة كبيرة من المسؤولين إثر خلافات مع القيادات السياسية حول سبل مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان، ثم انضم الى حزب الله الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية منطقة البقاع، وكانت مهمته تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.

وفي عام 1985 انتقل إلى بيروت وتولى مهمة نائب مسؤول المنطقة، وواصل الصعود في سلم المسؤوليات إلى أن أصبح مسؤول المدينة، ثم المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى، إلى أن انتخب أمينا عاما للحزب عام 1992.

وفي 16 فبراير 1992، انتخب مجلس شورى حزب الله السيد حسن نصرالله أمينا عاما للحزب خلفا لعباس الموسوي الذي اغتالته "إسرائيل".. وعلى الرغم من أنه لم يكن نائبا للأمين العام، وكان أصغر أعضاء مجلس الشورى سنا، إلا أن المجلس انتخبه في هذا المنصب بالإجماع.

ومع توليه الزعامة نفذ الحزب عمليات عسكرية نوعية ضد الكيان الصهيوني، انتهت بانسحابها من جنوب لبنان عام 2000 بعد احتلال استمر 22 عاما.. وفي عام 2004 كان لنصر الله دورا أساسيا في عملية تبادل الأسرى بين الحزب و"إسرائيل"، ووصفت هذه العملية بأنها أكبر صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين، إذ لم يتم تحرير أسرى من لبنان فقط، بل شملت الصفقة مئات الأسرى من جنسيات عربية أخرى سورية وليبية ومغربية وفلسطينية.

وزادت شعبيته في حرب يوليو 2006، والتي استمرت 33 يوما وتعرضت فيها "إسرائيل" لخسائر فادحة واضطرت للانسحاب من جنوب لبنان دون تحقيق أهدافها.

واكتسب السيد حسن نصرالله خلال هذه الحروب والمواجهات العسكرية مع الكيان الصهيوني سمعة كبيرة وشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي، وارتبط اسمه بمقاومة "إسرائيل" ومناهضة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.





موقفه من حرب الإبادة في غزة حتى اغتياله:

منذ اندلاع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي انخرط حزب الله في المعركة في اليوم الموالي عبر قصف مزارع شبعا فيما اعتبره رسالة تضامن مع المقاومة الفلسطينية في غزة.. وشهدت الحدود الفلسطينية اللبنانية هجمات لحزب الله وفصائل فلسطينية في حين شن العدو غارات عدوانية.

وبعد أسابيع من المواجهات العسكرية، ظهر السيد نصرالله في أول خطاب له في الثالث من نوفمبر 2023 أكد فيه أن عملية "طوفان الأقصى" كانت بقرار وتنفيذ فلسطيني.. مُشدداً على أن جبهة لبنان التي فتحها حزب الله هي "جبهة إسناد وتضامن"، وأن الحرب في الأساس في غزة.. مشيرا إلى أن الجبهة مفتوحة والتطورات متغيرة والخيارات مفتوحة.

وفي خُطبه التالية أكد أن التصعيد على جبهة الجنوب لن يتوقف قبل وقف الهجوم على قطاع غزة.. وقال في خطاب له في 17 يوليو الماضي إن التمادي الصهيوني في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى استهداف مستوطنات جديدة بالصواريخ، وتوعد العدو الصهيوني بخسارة دباباته إذا جاء إلى لبنان.

وفي 27 سبتمبر الجاري شن العدو الصهيوني غارات مكثفة على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعلن أنه قصف ما سماه المقر المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقال: إن الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله.. بدوره أعلن حزب الله اليوم 28 سبتمبر عن استشهاد حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته، وتعهدت قيادة الحزب في بيان لها ب"مواصلة جهادها في مواجهة العدو وإسنادها لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان".


سبأ