السياسية:

عاد الغرب ليلوح مجددًا في وجه دمشق بورقة الأسلحة الكيميائية، والتي دأب على إشهارها كلما فتح السوريون ثغرة في جدار الحصار السياسي المفروض على بلدهم. إذ يبدو جليًا بأنّ فتح هذا الملف بالتزامن مع التقارب السوري- التركي ومساعي التصويب على روسيا حليفة دمشق وعرابة الاتفاقيات السابقة بينها وبين منظمة حظر السلاح الكيماوي لم يأتِ في توقيت عبثي؛ بل أريد صرفه في السياسة على النحو الذي يوافق أهداف واشنطن وحلفائها.

إذ قال نائب الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح أديديجي إيبو إنّ الأنشطة غير المعلنة المحتملة، والمتعلقة بعدد من عوامل الحرب الكيميائية في سورية بما في ذلك دورة الإنتاج الكاملة من البحث والتطوير إلى الإنتاج والاختبار والتخزين لاثنين من تلك العوامل، هي تطور مقلق للغاية". وذكر في كلمة، ألقاها أمام مجلس الأمن، أن المعلومات الإضافية التي قدمتها دمشق للأمانة الفنية لمنظمة حظر انتشار السلاح الكيماوي، خلال الاجتماع الأخير بين الجانبين، غير كافية، مشيرًا إلى أن هذا يرفع عدد القضايا العالقة إلى ٢٦، ويطعن في مصداقية التقرير الذي قدمته الحكومة السورية.

هذه مرامي واشنطن

المحلّل السياسي محمد خالد قداح أكد أنّ ملف سلاح الكيماوي الذي تشهره واشنطن، ومن ورائها تل أبيب، أصبح مكشوفًا. وفي حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري، لفت قداح إلى أن: "ما يعزّز فرضية تسييس هذا الملف هو ما شاب الادعاءات الأميركية من افتراءات وطعن على المفتشين الذين لم يؤخذ باعترافاتهم في التقارير النهائية لحادثة "دوما" وسواها. وعلى الرغم من ذلك؛ تعود الولايات المتحدة الأميركية مرة أخرى لإشهار هذا السلاح للضغط السياسي ولتنفيذ مآرب أخرى".

يضيف المحلل السياسي أن الحديث هنا عن ضغط في اتجاهين:
- الأول يتعلق بوقف مسار عودة العلاقات السورية الطبيعية مع دول العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي، حيث كان هناك في الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات والخطوات التي بدأت تتخذها دول في الاتحاد والمفوضية الأوروبية نفسها باتجاه إعادة العلاقات مع سورية ولو في حدودها الدنيا، والخطوات الثنائية ما بين بعض الدول وسورية، فضلاً عن عودة العلاقات الطبيعية لسورية في الإطار العربي.

كما شدد قداح على أنّ الولايات المتحدة الأميركية ترغب في إعاقة هذا المسار، من خلال عودة طرح شيطنة الدولة والحكومة السورية، بمعنى أنها تبحث عن إيجاد ملف ذي طبيعة قانونية دولية لكي تعيق عودة العلاقات الطبيعية، وتبقي العزلة قائمة باتجاه الدولة السورية.

أما الاتجاه الثاني وفقًا لقداح؛ فهو يتمثل في أن الولايات المتحدة عادت إلى تعزيز قواتها المحتلة في الشمال الشرقي من سورية للضغط عسكريًا واقتصاديًا، وكذلك هذا الأمر هو أحد الأوراق التي تستخدم ضد جبهة المقاومة بأسرها. وأضاف أن: "الضربات التي يتعرض لها الأميركيون من جبهة المقاومة، سواء على مستوى قطاع غزة أم على الضفة الغربية أو جنوب لبنان والجولان السوري المحتل إضافة إلى البحر الأحمر واليمن، استدعت قيام الولايات المتحدة الأميركية بشنّ هجوم سياسي معاكس على محور المقاومة. ولفت إلى أنه ليس من قبيل الصدفة التزامن ما بين هذه الاتهامات القديمة الجديدة في ما يتعلق بالكيماوي السوري والهجمات الموجهة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيال إرسال السلاح والصواريخ البالستية إلى روسيا، على الرغم من أن القاصي والداني يعلم بأن الأخيرة هي من أوائل المصنعين العالميين للصواريخ البالستية.

لفتح مغاليق السيادة السورية

الخبير الكيميائي السوري عيسى حسن أشار بدوره، في حديث لموقع "العهد" الإخباري، إلى أن الخطاب الرسمي الغربي الذي يتحدث عن "أنشطة سورية محتملة" في ما يتعلق بالملف الكيميائي السوري يفضح غياب الأدلة العلمية التي تدين دمشق؛ بمعنى أنها اتهامات تنطوي على التخمين والافتراءات. وأضاف أن: "هذه الجملة رافقت الاتهامات كلها التي وجهها الغرب إلى الدول التي يرغب في التدخل فيها منذ أيام لجان التفتيش التي دخلت إلى العراق، والتي مهدت للغزو".

يختم الخبير الكيميائي حديثه لموقعنا بالتأكيد أنّ: "الغرب يحاول، من خلال تحريك هذا الملف مجددًا، الدخول إلى مناطق سيادية سورية تحت ذرائع التفتيش. وهو الأمر الذي ترفضه دمشق جملة وتفصيلًا، وتضعه في خانة الخطوط الحمراء للسيادة".

* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري ـ محمد عيد