السياسية:

بيتر شرودر*

مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تنشر مقالاً للكاتب بيتر شرودر، يتحدث فيه عن إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحقيق أهداف حربه على أوكرانيا والأسباب التي دفعته إلى شنّها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

بعد مرور عامين ونصف عام على العملية الروسية في أوكرانيا، لا تزال استراتيجية الولايات المتحدة لإنهاء الحرب كما هي: فرض تكاليف كافية على روسيا حتى يقرر رئيسها فلاديمير بوتن أنّه لا يملك خياراً سوى وقف الصراع.

وفي محاولة لتغيير حسابات التكاليف والفوائد، حاولت واشنطن إيجاد النقطة المثالية بين دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا من ناحية، والحد من مخاطر التصعيد من ناحية أخرى. وبقدر ما قد يبدو هذا النهج عقلانياً، فإنه يرتكز على افتراض خاطئ، وهو: أنّ رأي بوتين يمكن تغييره.

وتشير الأدلة إلى أنّ رأي بوتين ببساطة غير قابل للإقناع في ما يتصل بأوكرانيا؛ فهو متمسك بكل شيء. وبالنسبة إليه، فإنّ منع كييف من أن تصبح معقلاً يمكن للغرب استخدامه لتهديد روسيا يشكل ضرورة استراتيجية. وقد تحمّل المسؤولية الشخصية عن تحقيق هذه النتيجة، ومن المرجح أن يحكم على الأمر بأنّه يستحق أي تكلفة تقريباً، ومحاولة إرغامه على الاستسلام هي ممارسة عقيمة لا تؤدي إلا إلى إهدار الأرواح والموارد.

لا يوجد سوى خيار واحد قابل للتطبيق لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط مقبولة لدى الغرب وكييف: الانتظار حتى يرحل بوتين. وبموجب هذا النهج، سوف تحافظ الولايات المتحدة على موقفها في أوكرانيا، وتبقي على العقوبات المفروضة على روسيا مع تقليص مستوى القتال وحجم الموارد المنفقة إلى أدنى حد حتى وفاة بوتين أو رحيله من منصبه. وعندئذ فقط سوف تتاح الفرصة لإحلال السلام الدائم في أوكرانيا.

وفي حين يمتلك بوتين القدرة على وقف الحرب، هل يكون على استعداد للقيام بذلك؟ لقد أجاب صناع السياسات في الولايات المتحدة عن هذا السؤال بالإيجاب إلى حد كبير، معتبرين أنّه في ظل الضغوط الكافية، قد يضطر بوتين إلى سحب القوات من أوكرانيا أو على الأقل التفاوض على وقف إطلاق النار.

إنّ هذه السياسة تخفي وراءها اعتقاداً مفاده أنّ بوتين انتهازي في الأساس، فهو يستكشف الأمور. وعندما يكتشف الضعف، يتقدم، ولكن عندما يواجه القوة، ينسحب. ولكن بوتين ليس انتهازياً. ولم تكن تحركاته الدولية الأكثر بروزاً عبارة عن حيل انتهازية لكسب ميزة بقدر ما كانت جهوداً وقائية لمنع الخسائر المتصورة أو الانتقام من الاستفزازات المتصورة.

بوتين منخرط بالحرب بكل ما أوتي من قوة، فالهجوم على أوكرانيا ليس حرباً عدوانية انتهازية، ومن الأفضل أن نفهمه باعتباره حرباً وقائية غير عادلة شُنِّت لوقف ما اعتبره بوتن تهديداً أمنياً مستقبلياً لروسيا.

في نظر بوتين، كانت أوكرانيا تتحول إلى دولة معادية لروسيا، وإذا لم يتم وقفها، فقد يستخدمها الغرب لتقويض التماسك الداخلي في روسيا واستضافة قوات حلف شمال الأطلسي التي قد تهدد روسيا نفسها. وعلى مستوى ما، يبدو أنّ المسؤولين الأميركيين يدركون هذا. وكما قالت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية: "لقد رأى أوكرانيا تتحرك بلا هوادة نحو الغرب ونحو حلف شمال الأطلسي وبعيداً عن روسيا".

إنّ حقيقة أنّ الحرب لا تتفق مع حسابات المخاطر المعتادة لبوتين تشير إلى أنّه اتخذ قراراً استراتيجياً بشأن أوكرانيا لا يرغب في التراجع عنه. كما أن قراره إرسال الجزء الأكبر من جيش روسيا إلى أوكرانيا عام 2022، ثم حشد المزيد من القوات عندما فشل هجومه الأوّلي، يوضح أنّه يعتبر الحرب مهمة للغاية، بحيث لا يمكنها أن تفشل.

وعلى الرغم من كل تكاليف قراره بالغزو، فمن المرجح أنّ بوتين يعتقد أنّ تكاليف التقاعس أعلى، أي أنّ روسيا لم تكن لتتمكن من منع ظهور أوكرانيا المتحالفة مع الغرب، والتي يمكن أن تكون بمنزلة نقطة انطلاق لـ"ثورة ملونة" ضد روسيا نفسها.

ونظراً إلى أن بوتين يزن السيناريوهات المطروحة أمامه على هذا النحو على الأرجح، فمن غير المرجح أن تقترب الضغوط الغربية من إجباره على تغيير رأيه وإنهاء الحرب بشروط مقبولة لدى كييف وواشنطن.

* المصدر: الميادين نت