السياسية:

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً للكاتب جدعون رشمان، يتحدّث فيه عن قوة إيلون ماسك الجيوسياسية ومصدرها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:


إنّ الشركات الكبرى والمليارديرات عادة ما يتجنّبون الجدل السياسي. وإذا مارسوا السلطة، فإنّهم يفضّلون القيام بذلك في الظل. لكن إيلون ماسك مختلف.

في الأسابيع الأخيرة، أيّد ماسك دونالد ترامب وأجرى معه مقابلة على منصته "X". كما انخرط ماسك في نزاع عام مرير مع المحكمة العليا في البرازيل، التي حظرت "X" الأسبوع الماضي. وقد زعم مؤخراً أن الحرب الأهلية حتمية في بريطانيا، وانتقد اعتقال بافيل دوروف، مؤسس "تيليغرام" في فرنسا.

لقد منحت ملكية "X" ماسك مكبّر صوت ضخماً لبثّ آرائه. لكنّ التركيز على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به يحجب المدى الحقيقي لقوته الجيوسياسية ومصدرها.

إنّ امتلاك "سبيس إكس" و"ستارلينك" و"تيسلا" هي التي أعطت ماسك دوراً مركزياً في الحرب في أوكرانيا، وفي التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، وأيضاً في الحرب في غزة. إنّ تدخّلاته غير المتوقّعة، جنباً إلى جنب مع القوة التكنولوجية والمالية الهائلة، تجعله صاروخاً جيوسياسياً غير موجّه، حيث يمكن لأهوائه إعادة تشكيل الشؤون العالمية.

في وقت لاحق من الصراع في أوكرانيا، اختار ماسك تقييد وصول أوكرانيا إلى "ستارلينك"، وذلك لإعاقة أي جهد لمهاجمة القوات الروسية في شبه جزيرة القرم. واستشهد ماسك بخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة كمبرّر، كما روّج لخطة سلام تتضمّن بعض المطالب الروسية.

افترق ماسك والحكومة الأميركية الحالية حقاً بما يخصّ الصين. إذ يُنظر إلى افتتاح مصنع "تيسلا" الضخم في شنغهاي في عام 2019 في واشنطن على أنّه انتكاسة كبيرة للهدف الأميركي المتمثّل في البقاء في الصدارة في التقنيات الرئيسية للمستقبل. وأصبحت الصين الآن أكبر منتج للسيارات الكهربائية في العالم.
تحاول إدارة بايدن إقناع شركات التكنولوجيا الرائدة في أميركا بتنويع أنشطتها بعيداً عن الصين، وقد تحمّست عندما حدّد ماسك موعداً لزيارة إلى الهند في وقت سابق من هذا العام، بهدف افتتاح مصنع لـ "تيسلا" هناك. ولكن في اللحظة الأخيرة، ألغى ماسك زيارته وظهر في بكين بدلاً من ذلك، معلناً عن تكثيف علاقة شركته بالصين. وينتج مصنع شنغهاي الآن أكثر من نصف سيارات "تيسلا" المصنّعة عالمياً.

ويشير المسؤولون الأميركيون إلى أنّ دفاع ماسك عن حرية التعبير، واستعداده لإهانة زعماء العالم، لا يحصل في الصين. فقد حُظِر برنامج "إكس" منذ فترة طويلة في الصين، لكن ماسك يحترم شي جين بينغ.

وهناك زعيم أجنبي آخر يبدو أنّه فهم موقف ماسك، وهو بنيامين نتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل". فعندما اقترح ماسك توفير "ستارلينك" لمساعدة المنظّمات في غزة، أثار انزعاج الحكومة الإسرائيلية حقاً، التي ادّعت أنّ هذا من شأنه أن يساعد حركة حماس. وبعد زيارة إلى "إسرائيل" العام الماضي، وافق ماسك على أنّه لن يعمل "ستارلينك" في غزة إلا بموافقة إسرائيلية.

وتشعر إدارة بايدن بالقلق إزاء العديد من أنشطة ماسك. لكن شركاته تتمتع بقدرات تكنولوجية تفتقر إليها حتى حكومة الولايات المتحدة. وللحفاظ على اتصال أوكرانيا، كان على البنتاغون أن يتعاقد مع "ستارلينك". وعندما تريد "ناسا" نقل روّاد الفضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية، فإن "سبيس إكس" هي التي تجعل ذلك يحدث.

وإذا كان ماسك يتحدّث ويتصرّف في كثير من الأحيان كما لو أنّه أقوى من أي حكومة، فقد يكون ذلك لأنّ هذا صحيح في بعض النواحي.

ولكن الحكومات تحتفظ بقوة رئيسية واحدة لا تزال بعيدة المنال عن ماسك؛ وهي القدرة على سن القانون وإنفاذه. إنّ الصدام بين البرازيل و"X"، واعتقال دوروف في فرنسا، هما إشارتان إلى أنّ عصر الإفلات من العقاب على وسائل التواصل الاجتماعي يقترب من نهايته.

ومن المرجّح بشكل متزايد أن تخضع شركات وسائل التواصل الاجتماعي للتنظيم مثل شركات الإعلام التقليدية وهذا له عواقب باهظة التكلفة. في العام الماضي، اضطرت قناة "فوكس نيوز" إلى دفع 787.5 مليون دولار لشركة "Dominion Voting Systems" لتسوية مطالبات التشهير، الناجمة عن تقارير "فوكس" عن نظريات المؤامرة حول الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

إنّ تطبيق "X" مليء بنظريات المؤامرة، بعضها روّج لها ماسك نفسه. وعلى الرغم من ثروته وتألّقه الذي لا شكّ فيه كمهندس ورجل أعمال، سيظل ماسك خاضعاً لقوانين البلدان التي يعمل فيها. وربما يفسّر هذا الإدراك المتزايد غضبه ضدّ البرازيل وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وولاية كاليفورنيا، وأيّ شخص آخر يجرؤ على الوقوف في طريقه.

إنّ تطبيق "إكس" ليس مصدر قوة ماسك. ولكنّه قد يمثّل المكان الذي تكون فيه قوته.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ الكاتب: جدعون رشمان