قراءة في الدبلوماسية الخارجية اليمنية الجديدة
سند الصيادي*
من خلال اللقاء الأخير، الذي جمع رئيس الوفد اليمني المفاوض بالمسؤول الروسي، والملفات التي نوقشت خلال اللقاء، وبالتأمل في المسار الدبلوماسي خارجياً، والذي انتهجه اليمن من خلال وفده المفاوض خلال العقد الأخير، وعلى رغم تعقيدات هذا الحراك السياسي نتيجة العدوان على اليمن والسعي المستميت، أميركياً وإقليمياً، لكبح هذا الحراك في كل المسارات الدولية، وأبرزها عدم الاعتراف بصنعاء وحكومتها ممثلاً شرعياً لليمن في المحافل الدولية ومصادرة هذا الحق اليمني لمصلحة أفراد يقبعون في فنادق المنفى؛ على رغم كل ذلك الاستهداف الذي قيد حتى مواقف المتضامنين والمتفهمين لواقع الصراع في اليمن من دول وفصائل، فإن المنهجية، وطنياً ودينياً، وامتلاك القضية، والحجة المتسلحة بالصبر والنفس الطويل والفهم الصحيح لقواعد اللعبة الدولية استراتيجياً، أمور استطاعت أن تفرض نفسها وتحدث اختراقاً كبيراً في القناعات الدولية.
وباتت الصورة التي هي عليها صنعاء واضحة المعالم خارجياً، ومطمئنة لكل المحيط العالمي المتحرر من التبعية للغرب، أو حتى تلك الدول الأوروبية التي باتت ترى أن أجندة أميركا وحلفائها في المنطقة عبثية وغير محمودة العواقب، وهذا الأمر شجع كثيراً من الدول على أن تفكر في إعادة تمثيلها الدبلوماسي في صنعاء، وباتت المسألة مرهون توقيتها بمسار الأحداث.
يتوارد إلى الذهن كثير من التأملات والمفارقات بين الأمس واليوم فيما يخص المنهجية السياسية الخارجية للبلاد، حين كان اليمن رهيناً للموقفين الإقليمي والدولي، ومغيباً قراره السياسي بطبيعة الحال عن المصالح الحقيقية والاستراتيجية لليمن، كما كان مغيباً عنه إدراك موقعه، جغرافياً واستراتيجياً وتاريخياً.
ولا تزال الذاكرة تحتفظ بالكيفية التي كان النظام السابق يتعامل وفقها مع السياسة الخارجية، وكيف كان يذهب مرغماً حيث يراد له من الإقليم والعالم أن يذهب، وكيف بات اليوم اليمن يملك قراره بكل شجاعة، ويواجه قوى كبرى. وفي الوقت ذاته يعمل على فتح جسور وقنوات تواصل وتشبيك العلاقات مع القوى الفاعلة والمناوئة للغرب، وفق المحددات والثوابت التي باتت تتسلح بها صنعاء وتدافع عنها. وبقدر ما هي تحسب لصنعاء في انفتاحها مع العالم من حولها، فإنها تعزز فرصاً مشتركة تخدم القضية والتوجه والاهداف المشتركة.
المنهجية القرآنية من أعظم مخرجاتها برأيي هذه السياسة الجديدة مع الآخر، الواثقة ومتسعة الوعي وواضحة النقاط، إلى جانب المسار الأخلاقي الذي قادت فيه الصراع مع الداخل والإقليم، نهاية بهذا الموقف التاريخي تجاه العدوان على غزة. هذا الوعي العالمي، الذي بات عليه اليمن، كفيل بأن يكسبه الاحترام كمكون سياسي وعسكري و شعبي فاعل ومؤثر ، كما هو كفيل بأن يفتح أبواب البحث الدولي رسمياً وشعبياً على التنقيب في المنهجية التي رسمت هذه التغيرات، ونقلتها، وفق زمن قياسي بكل منغصاته وتحدياته، من واقع يبدو متخلفاً في كل تفاصيله إلى هذا المستوى المتقدم من الوجود، حضارياً وإنسانياً.
لطالما كانت النظرة التي أراد أن يصدرها الغرب الكافر من خلال المنهجيات المخترقة للإسلام التي صنعها ورعاها، أو حتى من خلال الأنظمة العميلة التي كانت تحكم، هي الانزواء الحضاري والعدائية العقائدية غير المبررة للآخر، حتى ان كان هذا الآخر لا يستهدفك كأمة ومنهج و جغرافيا بأي عداء، حتى إن كان يتشارك معك في قيم سياسية ومبدئية، ومستعداً لأن يكون معك ضمن محددات وأطر مشتركة لا تلغيك ولا تنتقص من سيادتك ومنهجك وقضيتك.
أراد الآخر من منهجيات الإسلام المنحرفة أن يوسع دائرة العداء في محيطها لتشمل كل خصومه، ابتداءً من داخل الأمة وانتهاء بالعالم، باستثنائه هو. ولهذا ظل يقطف ثمار تلك التعبئة من دون أن يخسر قطرة دم واحد من جنوده ، فبعد توظيفه الناجح لمئات آلاف المسلمين في الحرب على الشيوعية وإزاحتها عن قطب المشهد الدولي لمصلحة أميركا ، وظف تلك المنهجيات وعناصرها للداخل الإسلامي دولاً ومكونات ومذاهب وطوائف، وكان سيوجهها نحو دول معادية له – ليس لنا فيها كأمة لا ناقة ولا جمل - كالصين وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها. ولولا الأحداث الأخيرة في المنطقة ومخرجاتها من قوى ومنهجيات مقاومة، أعادت تصويب المسار نحو الخطر والعدو الحقيقي، لكان الشبان العرب المسلمون اليوم يُجنَّدون بالآلاف لـ"يجاهدوا" في طهران وبيونغ يانغ وبكين وكركاس، ولكانت البوصلة اتجهت إلى كل اتجاه باستثناء القضية الأولى والمركزية، القدس وفلسطين!
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع