واشنطن تجرّب المجرّب في اليمن: الفشل مصيراً محتوماً
السياسية- رصد || لقمان عبد الله *
تواصل الولايات المتحدة محاولاتها إخضاع اليمن، مكرّرةً استخدام الأوراق نفسها التي استُهلكت طوال حرب الأعوام التسعة من قبل «التحالف العربي»، مع فارق أن الأولى اعتمدت الواقعية في وضع أهداف الحرب، والتي تتمثّل في إضعاف حركة «أنصار الله»، وإبطال مفاعيل قوتها في البحرين الأحمر والعربي، على عكس الأهداف التي وضعها التحالف المذكور، وتمثّلت في القضاء على الحركة وحصرها في جبال مران، واتّضح أنها غير قابلة للتحقّق. غير أن النتيجة واحدة؛ إذ إن واشنطن وقعت في الفخّ اليمني أثناء محاولتها حماية المصالح الإسرائيلية، عندما لم تضع في حسابها إيجاد إستراتيجية خروج، وهي لا تملك اليوم فكرة واضحة عن كيفية تحقيق أهدافها بعد فشل الضربات الجوية، وفقاً للاعترافات الأميركية.
وطوال مدة الصراع، دأبت الولايات المتحدة على إرسال الموفدين إلى المنطقة للتباحث حول وسائل الضغط على «أنصار الله»، من جهة، وتقديم إغراءات إلى الحركة، من جهة أخرى. كما أن وكالة «بلومبوغ» أفادت، أمس، بأن الإدارة الأميركية تفكّر في إلغاء تصنيف «أنصار الله» كحركة إرهابية، إذا وافقت الأخيرة على وقف الهجمات البحرية في البحر الأحمر. أيضاً، أرسلت واشنطن، قبل أيام، مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى المنطقة، إذ يحمل في جعبته عروضاً للحركة تمت تجربتها سابقاً ولم تؤدِ إلى شيء، محدّداً هدف مهمته بالسعي إلى إيجاد طرق ديبلوماسية لحل أزمة البحر الأحمر، ومعترفاً بأنه لا حلول عسكرية لها.
ويأتي ذلك فيما يبدو أن الولايات المتحدة باتت مدركة لكون استمرار الصراع يؤدي تلقائياً إلى عواقب بعيدة المدى على السياسة الخارجية الأميركية، فضلاً عن أن هناك اعتقاداً قوياً في الغرب بأن الضربات تأتي بنتائج عكسية، وتقوّي «أنصار الله» بدل أن تضعفها.
وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن العالم يرى أن الولايات المتحدة لم تعد قادرةً على القيام بوظيفة «الدرك الكوكبي»، لأن حاملات الطائرات النووية الأميركية غير قادرة على مواجهة الحركة التي تستخدم طائرات من دون طيار وقوارب رخصية الثمن. واستنفدت القيادة المركزية الأميركية، بالفعل، ما لديها من قدرات في إطار الضربات الجوية، ولم يعد لديها سوى إصدار البيانات والتهديدات وإحصاء الاستهدافات لقواتها البحرية.
وصار «البنتاغون»، في ظل حالة الاستعصاء الراهنة، أمام خيارين: إما أن يواصل العمليات العسكرية مع ما يعنيه هذا من مخاطرة بحياة الجنود وتضرّر الردع والهيبة الأميركيين، وإما أن يحثّ إسرائيل على وقف الإبادة الجماعية في غزة.
وفي المقابل، يبدو أن من أوراق الضغط التي يجري تفعيلها، تسخين بعض الجبهات في الجنوب في محاولة لإشغال صنعاء عن مهمة نصرة فلسطين. وفي هذا السياق، كشف موقع «I24 news» الإسرائيلي أنّ إسرائيل سوف تقوم بدعم مجموعات في اليمن وتسليحها، فيما تستمرّ واشنطن في الضغط الاقتصادي على صنعاء بواسطة مرتزقتها المحليين، وهذا ما تمثَّل آخر وجوهه في إصدار ما يسمى البنك المركزي في عدن قراراً بنقل المقرّات الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن. هكذا، وحين تقلّب واشنطن الأوراق المتاحة لديها، ولا تجد ضالتها، فإنها تلجأ إلى نسخة طبق الأصل من الأساليب السعودية - الإماراتية الفاشلة.
كذلك، وبحسب ما نقلته صحيفة «بوليتكو» الأميركية عن «مصادر استخباراتية» غربية، فإن الرهان الآن يبقى على تغيير في موقف الصين، التي اعتبرتها تلك المصادر أكبر المتضرّرين من المواجهات في البحر الأحمر، كونها المشتري الأكبر للنفط من المنطقة، وتمرّ سفنها بشكل يومي عبر البحر الأحمر والبحر العربي.
وأشارت المصادر إلى أن التعويل على تغيير موقف بكين من الوضع في البحر الأحمر ينطلق من الاستهدافات المتكررة لسفنها، والتي كان آخرها «هونغ بو» الشهر الماضي، رغم اعترافها بأن السفينة أصلاً مسجّلة في بنما. غير أن الصحيفة ذاتها تستبعد إمكانية أي تغيير في الموقف الصيني، عازيةً هذا إلى أن «أنصار الله» أعطوا وعوداً للصينيين بعدم مهاجمة سفنهم، فضلاً عن أن بكين ليست مضطرّة إلى الغرق في معركة هدفها حماية "إسرائيل".
أما خيار الغزو البرّي، فهو مستبعد كلياً، بسبب توقّع نتائجه العسكرية الكارثية على الجيش الأميركي، فضلاً عن أنه يهدّد الإدارة الأميركية بمأزق جيوسياسي، وقد يؤدي إلى حرب شاملة تسعى واشنطن حتى الآن إلى تحاشيها. ويذكّر الباحثون وكبار الكتاب في كبريات الصحف الأميركية، الإدارة بخطورة الانجرار إلى حرب في اليمن، مستشهدين بقراءات تاريخية تفيد بأن هذا البلد نجح مراراً وتكراراً في صدّ المعتدين رغم قوتهم. وكمثال على ما تقدّم، أوردت «واشنطن بوست» رواية عن روما القديمة التي كانت لا تُقهر ولكنها لم تستطع إخضاع اليمن. ونقلت عن المؤرخ كاسيوس ديو القول إن المعارك والمجاعات أدت إلى مقتل معظم أفراد الحملة المؤلفة من فيلَقين رومانيين بلغ عديدهما 10 آلاف مقاتل برفقة 80 سفينة حربية و 130 سفينة نقل في مياه البحر الأحمر. وبعد ذلك، لم تتجرّأ الإمبراطورية الرومانية التي غزت معظم أنحاء العالم المعروف آنذاك، على إعادة الكرّة في اليمن. أيضاً، ذكّر كتاب «يمنيون» بأن المملكة المتحدة استعمرت المحافظات الجنوبية قرابة 129 عاماً، واستطاع اليمينون طردها عام 1967.
- المصدر: الاخبار اللبنانية
- المادة تم نقلها من المصدر وبتصرف ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع