السياسية || تقرير: صادق سريع ||


كأنها لا تملك حدوداً جغرافية، ولا معابر برية، وكأنها جزيرة عائمة تُحاط بها مياه البحار والمحيطات، ولا سبيل لإدخال المساعدات لسكان غزة إلا بإسقاطها من الجو، أو شحنها عبر البحر، وكأن ليس هناك حل آخر لإنقاذ البطون الجوعى إلا بإنشاء رصيف بحري عائم على ساحل بحرها المتوسطي، ذو الفكرة "البايدنية" وفقاً لخطة حاكها ساسة البيت الأبيض والعرب المتصهينون.



قد يتساءل الكثير عن ما وراء تلك الخطة الملتوية (إنشاء رصيف، أو ميناء بحري على ساحل غزة)، تبدو تلك الفكرة وكأنها السبيل الوحيد في منظور قادة الصهيونية العالمية لإنقاذ أكثر من مليونين ومائتي ألف نسمة في غزة المحاصرة مُنذ عام، وليس فقط 17 عاما، في ظل ما يتعرّض له أبناء القطاع المحتل لعملية تجويع وحرب شيطانية، وإبادة جماعية، وقتل وتنكيل، وتعذيب وتدمير ممنهج بأعتى آلة عسكرية تقودها جيوش الصهيونية، بدعم مباشر ومعلن من أمريكا، ودول الغرب، والأنظمة العربية المطبِّعة والسائرة في خطى التطبيع!؟.

إن الهدف المعلن من إنشاء الميناء البحري العائم على ساحل غزة هو إدخال المساعدات الإنسانية لمواطني غزة، لكن ذلك الإعلان تختبئ خلفه أهداف أخرى مبيّتة طُبخت في غرف "البنتاغون"، وعواصم دول الغرب، تحت إشراف الشيف الدموي - رئيس وزراء كيان "إسرائيل"، بنيامين نتنياهو، من مدينة حيفا (تل أبيب).

مقترح خبيث
أثارت فكرة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنشاء ميناء بحري في قطاع غزة تساؤلات كثيرة، خصوصاً وأن أبناء غزة يواجهون الموت جوعاً، وبالمعنى الصحيح يواجهون حرب تجويع لا مثيل لها على مر التاريخ بإشراف أمريكي - غربي - وتؤاطو عربي، وتنفيذ صهيوني، في ظل عدوان غاشم ومستمر لليوم الـ 175 يوما، مُنذ بدء الاجتياح البري والبربري للجيش الصهيوني على غزة، حيث أرتفعت فاتورة الموت إلى 32 الف و555 شهيد و74 ألف و900 جريح مُنذ السابع من أكتوبر 2023 .


يصف المقرر الأممي الخاص بالغذاء، مايكل فخري، الاقتراح الأمريكي بـ"الخبيث"، وأنه جاء وفق مصالح انتخابية لصالح إدارة البيت الأبيض.
وقال: "بينما واشنطن مهتمة بالجانب الإنساني لسكان غزة، تقوم في الوقت نفسه بدعم إسرائيل" بمختلف الأسلحة فتكاً وتزويدها بالقنابل المحرَّمة دولياً، وتوفِّر لها الذخائر والدعم السياسي والمالي والمعنوي.
وأضاف، في مؤتمر صحفي في جنيف، الأسبوع الماضي: "للمرة الأولى أسمع فيها أن غزة تحتاج لبناء رصيف بحري .. لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا أبناء غزة ولا الشعب الفلسطيني، ولا المجتمع الإنساني".

وعلق الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، هشام خريسات، في مداخلة مع "قناة الجزيرة" ، بالقول: "هناك أهداف مبيتة تقف خلف الجانب الإنساني في بناء الميناء البحري في غزة، ترتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعاً إلى أوروبا، وإلغاء دور معبر رفح البري على الحدود مع مصر".

في منظور مراقبين سياسيين، تعد فكرة إنشاء ميناء بحري لغزة، عبارة عن برنامج متكامل تم برؤية أمريكية - صهيونية، بالتنسيق مع بعض الأنظمة العربية، كمرحلة ثانية تعقب حرب التجويع، تقود لفرض آلية برعاية أمريكية لمعالجة أزمة الجوع، بهدف تحييد دور حركات المقاومة الإسلامية في غزة، وحماس في مقدمتها.

وهنا يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله العقرباوي: "إذا كان إدخال الغذاء بشكل مكثف ومنظم، فهذا ليس مدخلا سهلا لإخراج حركة حماس تدريجياً من المعادلة".
ويضيف، في حديث صحفي لـ"الجزيرة نت": "في قضية الجوع، لا تستطيع منع أحد من الطعام، ولا الوقوف في وجه إغاثتهم ،لكن الحقيقة أن هذا الميناء ليس طلب حركة حماس لكسر الحصار عن غزة".

ميناء "إحتلالي"
وإذ يصف العقرباوي، الميناء البحري بـ"الاحتلالي"، يعتبر السماح للجيش الأمريكي بالدخول إلى تخوم غزة بالخطوة الخطرة جداً، التي ينبغي الترحيب بها مطلقا.

وبحسب خطة البنتاغون، تستغرق عملية بناء الميناء البحري، الذي يمكن أن يستقبل ما يعادل 200 شاحنة يومياً فقط، من 30 - إلى 60 يوما، بمشاركة أكثر من ألف جندي.
في منظور الكاتب والباحث السياسي، محمد الجمل، فأن الميناء بهذه الطاقة الاستيعابية لا يوفِّر نصف احتياجات غزة اليومية، ولا يعد حلاً جذرياً لحل الأزمة الإنسانية.

بدوره، يصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بفلسطين المحتلة، الدكتور حسن أيوب، القرار الأمريكي بالمتأخر جداً، وأنه لن يغير معادلة حرب التجويع، التي يشنها الاحتلال الصهيوني على أبناء غزة، خصوصا وأن الميناء سيخضع لشروط العدو المحتل.
أيوب يؤكد في حديثه لـ"TRT عربي"، أن خطة واشنطن تعكس إفلاساً أخلاقياً بعد نزعتها غير الأخلاقية تجاه الفلسطينيين بالسماح لمدة 6 أشهُر بذبح الغزيين.
برأي دكتور العلوم السياسية أيوب، فأن إقامة مرفأ غزة يعني التخلي تماماً عن مسالة وقف العدوان.

خلاصة الكلام في نظر المحلل السياسي الفلسطيني، أحمد الحيلة، جاء إعلان بايدن أنشاء ميناء بحري في غزة جزء من الخطاب الأنتخابي لاستقطاب جمهوره الغاضب ؛ بسبب تورط إدارته في جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ودعم "إسرائيل" بالسلاح، والغطاء السياسي.