السياسية: حيّان نيّوف


انتهت يوم السبت الفائت المباحثات التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس، والتي تمحورت حول التوصل لاتفاق إطاري يحدد وقف إطلاق النار في غزّة، وضمت تلك المباحثات كما سابقاتها كلًّا من: مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليم بيرنز، رئيس “الموساد” الإسرائيلي ديفيد برنياع ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل ووزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني.
حرصت هذه الأطراف على اعتماد خطاب إعلامي واحد تمثّل بالترويج لتقدّم ملحوظ حققته المباحثات، وإشاعة أجواء إيجابية حول قرب التوصل لاتفاق إطاري لوقف إطلاق النار على مراحل. شملت تلك التسريبات الإيجابية ثلاثة محاور رئيسة متعلّقة بالاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار مدته ستة أسابيع، وتبادل للأسرى وفقًا لصيغة أسير إسرائيلي مدني واحد مقابل 10 أسرى فلسطينيين، من ضمنهم نساء وأطفال وذوي أحكام مرتفعة، بينما شمل المحور الثالث حدود الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة في المرحلة الأولى.
وفي موازة لقاء باريس؛ كانت تستمر وفود حركة المقاومة الإسلامية حماس بعقد لقاءاتها في القاهرة والدوحة، وتحدثت مصادر مصرية عن انتقال للمفاوضات من باريس إلى الدوحة وبحضور ممثلين عن الأطراف المشاركة في لقاء باريس واشنطن والقاهرة و”تل أبيب” والدوحة، بهدف مناقشة تفاصيل المحاور الثلاثة التي جرى الاتفاق عليها في باريس، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر حركة حماس أنها قدمت تسهيلات لنجاح المفاوضات بهدف الوصول لوقف إطلاق النار.
على الجانب الإسرائيلي؛ ما تزال المراوغة الإسرائيلية هي السمة البارزة لقادة الكيان الصهيوني وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يجاهر بتهديداته باقتحام رفح، ووضع عراقيل جديدة بوجه التوصل لاتفاق، وآخر تلك العراقيل كان اشتراطه إبعاد الأسرى ذوي الأحكام القضائية المرتفعة خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبدو أن نتنياهو يستغل الرغبة الأميركية الجامحة في التوصل لاتفاق وكذلك رغبة دول التطبيع العربية من أجل ممارسة الضغط عليهم بهدف زيادة ضغوطهم على حماس للقبول بشروط “تل ابيب”.
على الجانب المقابل؛ تدرك قوى محور المقاومة وجبهات الإسناد طبيعة المناورة الأميركية الإسرائيلية، وكذلك حجم الضغوط التي تمارسها أطراف لقاء باريس على حماس وعلى قوى المقاومة وشعب غزّة، ولأجل ذلك تقوم وعبر جبهات الإسناد بإظهار المزيد من أوراق الضغط المقابل على الأميركي والإسرائيلي لدعم موقف حركة حماس وحركات المقاومة ولدعم صمود الشعب الفلسطيني في غزّة.
ويمكن لنا الإشارة إلى بعض تلك الضغوط التي تمارسها جبهات الإسناد دعمًا لغزّة ومقاومتها وموقفها التفاوضي، وخاصة خلال مرحلة التفاوض بدءًا من لقاء باريس ووصولًا إلى مفاوضات القاهرة والدوحة:
١ – التصعيد البطولي لصنعاء بوجه الأميركي والبريطاني، والذي شمل إغراق سفينة بريطانية واستهداف سفن أميركية وإسقاط طائرة MQ9 أميركية، بالإضافة إلى إعلان صنعاء عن إعادة صياغة الأمن البحري في كلّ من البحر الأحمر وبحر العرب.
٢ – العمليات النوعية للمقاومة اللبنانية، والتي شملت في الأيام الأخيرة توسيعًا لدائرة استهدافاتها لتشمل الجولان السوري المحتل، وكذلك قيادة فرقة عمليات الجولان في الجيش الإسرائيلي، ومؤخرًا إسقاط طائرة هرمز 450 الإسرائيلية المتطورة.
٣ – البيان الصادر عن الأمين العام لحركة النجباء العراقية الشيخ أكرم الكعبي، والذي هدّد فيه بالعودة إلى عمليات استهداف القواعد الأميركية في العراق، والاستمرار في استهداف الكيان الصهيوني، وذلك بعيدًا عن الحسابات والصغوط السياسية التي تمارس على المقاومة العراقية بحجة إتاحة الفرصة للجهود السياسية لإخراج القوات الأميركية.
في البعد الإقليمي، لا بد من التذكير بأن التشابك بين ملف المعركة في غزّة والملفات الإقليمية بات واقعًا فرضته نتائج طوفان الأقصى وهذه النتائج باتت حقيقة وواقعًا جديدًا لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه، وجاء ليزيد المشهد تعقيدًا وتناقضًا وخاصة على الأميركي وحلفائه.
ومثال على هذا التعقيد والتناقض؛ يمكننا أن نلاحظ بأن واشنطن تسعى لربط وقف إطلاق النار في غزّة بمصالحها الإقليمية عبر تحقيق مكاسب في ساحات أخرى وخاصة في العراق وسورية وفي البحرين “الأحمر والعربي”، بينما تسعى “تل أبيب” لعزل أي أنفاق عن ملفات أخرى بعينها من خلال ما سربه الإعلام الإسرائيلي عن أن “إسرائيل” ترفض أن يشمل أي اتفاق وقفًا لاعتداءاتها على سورية، وهو ما تبعه في اليوم التالي استهدافات متكرّرة من المقاومة الإسلامية في لبنان “لجبهة الجولان السوري المحتل” في ما بدا وكأنه رسالة ردّ واضحة من محور المقاومة على تلك التسريبات الإسرائيلية مفادها أن “وحدة الساحات باتت أمرًا واقعًا لا يمكن القفز فوقه أو التراجع عنه، ولا يمكن لواشنطن أو “تل أبيب” أن تختار التهدئة في ساحة تريدها واستمرار الحرب في ساحة أخرى”.
حتّى الآن؛ ليس بمقدور أحد من المحللين والمتابعين الجزم بجواب نهائي حول توجهات الصراع، ذلك لأن أصحاب القرار أنفسهم لم يجزموا بتوجهاته. وكما أشرنا؛ فإن الصراع معقّد للغاية، وما يزيد تعقيده هو النتائج التي أفرزها منذ 7 أكتوبر إلى اليوم. وربما تعتقد واشنطن بأن الوصول لاتفاق على مراحل سيساعد “إسرائيل” على الهروب من الاعتراف بالهزيمة، ويساعد واشنطن على تجنّب الاعتراف بقواعد الاشتباك الجديدة، وذلك من خلال الحصول على مدة كافية لطرح المقايضات والتنازلات وخلق ظروف جديدة واللعب على الرأي العام.
لذلك تتمسك واشنطن بموضوع الهدنة المؤقتة على حساب الوقف الدائم لإطلاق النار، وتريد تسويةً على مراحل يكون لكل مرحلة شروطها ومعطياتها الجديدة.
وملخص القول: إن محور المقاومة وضع واشنطن تحديدًا تحت واقع جديد أفرزته نتائج الصراع يصعب عليها القبول به، وفي الوقت ذاته تخشى واشنطن تدحرج النتائج إلى واقع أكثر صعوبة عليها في حال قررت رفض التسوية.
إذًا واشنطن بين خيارين أحلاهما مرّ، وهذا لا يعني عدمها للوسيلة، لكن يعني أن دائرة الخيارات تضيق أمامها.


* المصدر: موقع العهد الإخبار

* المادة نقلت حرفيا من المصدر