لماذا كل هذا الخوف من موقف اليمن مع فلسطين..؟!
أحمد الشريف*
كم هو مؤسف أن نجد البعض وهم من أبناء جلدتنا سواء كانوا في الداخل أو الخارج يصطفون مع تحالف العدوان ويقومون بالتشكيك في الموقف اليمني المساند للأشقاء في قطاع غزة والذي يبرهن اليمن من خلاله بقيادته الشجاعة والحكيمة ممثلة في قائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي.
أنه البلد الوحيد من بين سبعة وخمسين بلداً عربياً وإسلامياً الذي أعلن موقفه الصريح والواضح رسميا إزاء ما يجري في فلسطين من ظلم لم يشهد له التاريخ مثيلا بل ودخل في مواجهة مباشرة مع ثلاثي الشر أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وفرض الحصار البحري على الكيان الصهيوني وإطلاق الصواريخ البالستية والطيران المسير إلى أم الرشراش المعروفة بإيلات وهو ما جعل موانئها المطلة على البحر الأحمر معطلة تماماً بل وهجرها الكثير من سكانها إلى مناطق آمنة، ونتيجة لهذا الموقف اليمني المؤثر على كيان العدو الصهيوني قامت أمريكا وبريطانيا بشن عدوان غير مبرر على اليمن منتهكة سيادته ومتحدية بذلك القانون الدولي ولا يزال مستمرا انتقاما ودفاعا عن كيان العدو الإسرائيلي.
لقد كنا نعتقد أن عملية التفاعل السياسي القائم الذي تشهده الساحة اليمنية اليوم ولم يكن معروفاً من قبل في حياة اليمنيين لاسيما أنه يجري في ظل عدوان جائر يتعرض له اليمن للعام التاسع على التوالي وكان يفترض أن تعلن خلاله حالة الطوارئ تجعل المرتبطين بالعدوان يراجعون حساباتهم ويلتفون حول القيادة الوطنية في صنعاء مؤيدين لموقفها المنطلق من واجبها الديني والأخلاقي والإنساني تجاه قضية فلسطين التي فرط فيها العرب بمزايداتهم الكلامية وشعاراتهم الفضفاضة التي لم تكن ترتبط بفعل خلال العقود الماضية يثبت صدق أقوالهم وسلموها لليهود الصهاينة مع أنهم كانوا قادرين على الدفاع عنها، بل وكنا نظن أن هذا النهج الحكيم هو الذي سيحمى الشعب اليمني من الصراعات الداخلية والتدخل الخارجي ويوحد اليمنيين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية حول قضيتهم المركزية فلسطين، لكن مع الأسف الشديد فقد تاهت منا روح الحب والوئام فوأدناها أو اغتلناها مثلما اغتلنا وقتلنا كل شيء جميل وأصيل في حياتنا.
ولم نكن نتوقع أبداً أن ترتفع أصوات معترضة على موقف اليمن المساند للأشقاء في قطاع غزة بعد أن تخلت عنهم الأنظمة في البلدان العربية والإسلامية وتركوا الجيش الصهيوني ينفرد بهم ويرتكب بحقهم جرائم الإبادة الجماعية التي وصل صداها إلى محكمة العدل الدولية واستنكرها العالم بأكمله بما في ذلك بلدان تقف وتناصر إسرائيل ولكنها لا تمنع شعوبها من الخروج للتظاهر ضد ما يقوم به الجيش الصهيوني في قطاع غزة من جرائم حرب ومطالبة بإيقاف الحرب فوراً بينما حكام الدول العربية والإسلامية وما أكثرهم قد التزموا الصمت ومنعوا شعوبهم حتى من التعبير السلمي حول ما يجري في فلسطين منتظرين متى تزف إليهم إسرائيل خبر القضاء على المقاومة الفلسطينية والانتصار على حركة حماس وتهجير سكان غزة وهي مفارقة عجيبة لا تجد لها تفسيراً معقولاً ومُقنعاً.
لقد كان الموقف اليمني المتميز والفريد من نوعه الذي أصبح حديث العالم بأكمله يفترض أن يشكل تعزيزا وحفاظا على تماسك الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان والتصدي له ويفتخر به كل مواطن يمني أيا كان توجهه السياسي والفكري لأن هذا الموقف القومي والوطني قد أعاد لليمن حريته واستقلاله والتحكم بسيادة قراره بعد أن ظل عدة عقود خاضعا للوصاية الخارجية لا يملك من أمره شيئا ومع ذلك فقد أعتبره من تعودوا على الاصطياد في الماء العكر سواءً كانوا سياسيين أو إعلاميين جريمة لا تغتفر لأنه بحسب رؤيتهم قد قطع عليهم الطريق ومنعهم من خدمة العدوان والتعامل معه ليدر عليهم الأموال المدنسة.
وما دمنا نعيش بهذه العقلية والتفكير لا نميز بين الأبيض والأسود فإننا سنظل في غينا سائرين لمحاربة بعضنا البعض ولم نستفد من تجارب بلدان العالم المتقدمة التي تجعل من السياسة أسلوبا للاختلاف وصولا إلى تحقيق أهداف تنفع الناس والمجتمعات وتلبي طموحاتهم وذلك بعكس ما يحدث عندنا، وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا لدينا السياسة في اليمن هي احتقان وفوضى وخلافات، بل واستعداد للقتل والتدمير؟ ولماذا لدينا السياسة فجور في الخصومة وعداء شنيع في المواقف فتتحول إلى أفخاخ وشراكات ومخالب تدمي القلوب وتؤلم وتفتك؟ إذا كنا طوال أكثر من ستة عقود مضت لم نتعلم منها كيف نختلف وكيف نتعايش وكيف نعمل ونقبل بالآخر، بل وكيف نعمل بإخلاص من أجل الصالح العام للوطن والمواطن فكيف لنا أن نتعلم خلال أشهر قليلة لكي نخرج من هذا المأزق الذي حشرنا أنفسنا فيه بوعي أو بغير وعي ولذلك فإذا كانت هذه السياسة التي نعرفها ونتعامل بها فلتذهب هذه السياسة إلى الجحيم ولنعش دون كل هذا الاهتراء السياسي والفحش الحزبي والإعلامي الذي لا حدود لكراهيته وتمترسه وتحوصله في دوامة الخوف والموت والعداء المضمر والمعلن، وهو ما يجعلنا نقول: ألا قاتل الله السياسة إن كانت بمثل هذا العبث، وسحقًا لساسة وإعلاميين يكون الوطن عندهم هو آخر ما يفكرون به أو يعملون من أجله.
* المصدر: 26 سبتمبر نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب