مع بلوغ العدوان على غزة ذروته.. عودة الحديث عن التطبيع السعودي الصهيوني للعلن
السياسية // تقرير : مرزاح العسل
بالتزامن مع بلوغ العدوان الصهيوني الأمريكي على غزة ذروته.. عادت الولايات المتحدة الأمريكية للحديث علناً عن التطبيع بين السعودية وكيان العدو الصهيوني، في خطوة يراها مراقبون بأن واشنطن تهدف من ورائها إحراج السعودية وإبعادها عن التقارب مع روسيا.
ويأتي هذا الحديث بحسب مراقبين كرد فعل على استقبال السعودية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحفاوة التي قوبل بها من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتصريحات التي تُظهر وجود توافق في عدة قضايا مختلفة، وعلى رأسها موضوع تخفيض إنتاج النفط ووحدة موقف “أوبك+” من ذلك.
ويبدو أنه من الواضح أن إدارة بايدن منزعجة من استقبال السعودية للرئيس الروسي، رغم إصْدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، لذلك سعت إلى الرد على الخطوة بإحراج السعودية من خلال إثارة موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني ما سيجعلها قبلة للانتقادات في الشارع العربي.
وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود مؤخراً، بأن بلاده منفتحة على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني فقط في حال كانت هناك عملية إنشاء دولة فلسطينية لا رجعة فيها، وأن بلاده لن تتمكن من تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني حتى يتم التوصل إلى حل طويل الأمد للقضية الفلسطينية.
وردا على سؤال خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، عن عدم إمكان إقامة علاقات طبيعية دون مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية قابلة للبقاء، قال بن فرحان: “هذا هو المسار الوحيد المربح بالنسبة لنا، لذلك (الجواب) هو نعم، لأننا بحاجة إلى الاستقرار، ونأمل أن يتحقق من خلال حل القضية الفلسطينية”.
وأشار الوزير السعودي إلى أن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار والازدهار لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، بما في ذلك الكيان الصهيوني.. مشدداً على أنه “لكي تشهد المنطقة سلاما واستقرارا حقيقيين، وتكاملاً حقيقيا يجلب فوائد اقتصادية واجتماعية لنا جميعا، بما في ذلك “إسرائيل”، فمن الضروري إجراء عملية موثوقة ولا رجعة فيها لإنشاء دولة فلسطين”.. حسب قوله.
وردا على سؤال خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الثلاثاء، عما إذا كان بإمكان السعودية، الموافقة على الاعتراف بالكيان الصهيوني كجزء من اتفاق أوسع إذا تم حل القضية الفلسطينية، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: “بالتأكيد”.
وأكد السفير السعودي لدى بريطانيا الأمير خالد بن بندر في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الأسبوع الماضي، بأن المملكة مهتمة بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد الحرب في غزة، لكن أي اتفاق يجب أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية.
وقال السفير السعودي: “هناك بالتأكيد اهتمام بتطبيع العلاقات.. كان هناك اهتمام منذ عام 1982م”.
وفي أواخر سبتمبر الماضي، قال ولي العهد السعودي في مقابلة تلفزيونية أمريكية: “إننا نقترب كل يوم” من التوصل إلى اتفاق.. مؤكداً أن القضية الفلسطينية “مهمة للغاية” وأن أي اتفاق يجب أن “يسهل حياة الفلسطينيين”، لكنه لم يعلن أن ذلك سيعتمد على التقدم في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
بدوره.. قال الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي، لشبكة (سي إن إن): “لا تزال الحكومة السعودية منفتحة على التطبيع بشرط أن تتخذ “إسرائيل” خطوات ملموسة على الأرض لإرساء أسس حل الدولتين.. سيكون ذلك، على سبيل المثال، إزالة الحصار بشكل كامل عن غزة، وتمكين السلطة الفلسطينية بشكل كامل في غزة والضفة الغربية، والانسحاب من المناطق الرئيسية في الضفة الغربية وما إلى ذلك”.
وأضاف الشهابي: إن الخطوات يجب أن تكون “وعودًا ملموسة وليست فارغة يمكن أن تنساها “إسرائيل” بعد التطبيع كما فعلت مع الدول الأخرى التي طبعت (مع إسرائيل)”.
هذا وقد سبق هذه التصريحات الصادرة من السعودية، تأكيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لرئيس وزراء الكيان الغاصب بنيامين نتنياهو والكابينيت الحربي، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لن يقبل صفقة تطبيع العلاقات بمعزل عن حل الدولتين.
فيما قال مبعوث الطاقة الأمريكي آموس هوكشتاين الخميس: إنه لا يعتقد أنه ينبغي التخلي عن أمل تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني، وإن الأمر لا يزال هدفا للولايات المتحدة رغم الحرب الدائرة في غزة.
وأضاف هوكشتاين: “لا أعتقد أننا نغير اتجاهاتنا، ولا أعتقد أن هذا الصراع يجب أن يفعل ذلك.. في الواقع يجب أن يكون هذا الصراع بمثابة تذكير لنا بأننا إذا لم نتجه نحو التكامل الإقليمي والسلام والأمن فهذا هو البديل”.
ووضع المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الدكتور عزمي بشارة، في حوار خاص مع تلفزيون “العربي” مساء الأحد، استئناف طرح أمريكا الدولة الفلسطينية للتداول اللفظي، في خانة تسويغ العودة إلى التطبيع مع الدول العربية.. في حين رأى أن أمريكا تعتبر حركة “حماس” عائقاً أمام ترتيباتها للمنطقة.
وذكّر بشارة بأن بايدن سبق له أن قال علناً: إن بلده كان يقترب من إنجاز تطبيع سعودي- صهيوني، وإن “حماس”، من خلال عملية السابع من أكتوبر، أفشلت ذلك.
ولاحظ المفكر العربي أن بايدن لم يستنتج من ذلك أنه يستحيل إنجاز التطبيع من دون حل القضية الفلسطينية، بل استنتج أن الحل هو القضاء على “حماس”.
وحذر بشارة من أن يقبل العرب بوعد أمريكي أو بتعهد صهيوني بقبول دولة فلسطينية كشرط كافٍ للتطبيع.. واصفاً ذلك بأنه “سيكون أكبر إهدار لكل تضحيات الفلسطينيين”.
ونصح أن يتذكر المسؤولون العرب أن كل الكوارث غير المسبوقة التي تقضي على الفلسطينيين وقضيتهم حصلت بعد موجة التطبيع (عام 2020 أو ما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية).
وأعرب بشارة عن ثقته بأن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة كان يمكن أن تُترجم إلى إنجاز سياسي هائل لو كان هناك طرف عربي وازن يحملها.
ويرى مراقبون أن التوتر بين السعودية وأمريكا قد يعود إلى ما عاشته العلاقات الثنائية بعد استلام الرئيس جو بايدن عهدتَه في البيت الأبيض واتخاذه موقفا متشددا تجاه السعودية يقضي بإعادة إحياء ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي.. مشيرين إلى أن السعودية تبوّئ مصالحها في المرتبة الأولى، وأن موضوع التطبيع سيتأجل إلى ما بعد توقف الحرب في غزة وبدْء نقاشات الحل السياسي.
ويشار إلى أن السعودية تعاطت مع التطبيع كورقة مقايضة مع الأمريكان، وهو ما يجعل التراجع عنه أمرا متوقعا من جانب الرياض.. وإلى غاية السابع من أكتوبر الماضي كان القادة الصهاينة والسعوديين يقولون: إنهم يتحركون بخطى راسخة نحو اتفاق كان من الممكن أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط.
وتعارض أمريكا وحليفها العدو الصهيوني وقف إطلاق النار في غزة لأنهما تعتقدان أنه لن يفيد سوى حماس.. وبدلا من ذلك تدعم واشنطن هدنات مؤقتة لحماية المدنيين والسماح بإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حماس أثناء الهجوم.
وقبل أسابيع فقط من شن حركة حماس هجومها على الكيان الغاصب في السابع من أكتوبر، قالت السعودية: إنها تقترب من تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من الأشهر الثلاثة للحرب التي خلفت أكثر من 25 ألف شهيد فلسطيني وأثارت غضب العالم العربي، تشير الرياض إلى أن الاعتراف بالكيان الصهيوني قد يكون مطروحًا على الطاولة.
وفي جولة أخرى من الدبلوماسية الأمريكية المكوكية عبر الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة السعودية وكيان العدو الصهيوني، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي: إن محادثات التطبيع قائمة و”هناك اهتمام واضح في المنطقة في متابعة ذلك”.
ويقول الخبراء إن الثمن الذي ستطالب به السعودية مقابل التطبيع سيكون أعلى الآن مما كان عليه قبل حرب غزة، حيث قد تشعر الرياض بأنها مضطرة إلى انتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.. حسب زعمها.
ورفض رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ومسؤولون صهاينة آخرون مرارًا وتكرارًا احتمال قيام دولة فلسطينية.. وفي الشهر الماضي، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: إن الحكومة الصهيونية “لا تريد حل الدولتين”.
وفي عام 2020، اعترفت أربع دول عربية، الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بكيان العدو الصهيوني بموجب مجموعة من المعاهدات المعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم، متجاوزة المطلب العربي طويل الأمد بإقامة دولة فلسطينية.
ومنذ ذلك الحين، تعمل إدارة بايدن على حمل السعودية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها القائدة للعالم الإسلامي، على أن تحذو حذوها، وهي خطوة كان من الممكن أن تفتح الباب أمام دول إسلامية أخرى للاعتراف بكيان العدو الغاصب.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في الفترة من 14 نوفمبر إلى السادس من ديسمبر، أن 96 في المائة من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع والبالغ عددهم 1000 شخص قالوا إنهم يعتقدون أنه “يجب على الدول العربية قطع جميع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وأي اتصالات أخرى مع الكيان الصهيوني على الفور” احتجاجاً على العمليات العسكرية التي يقوم بها في غزة.
الجدير ذكره أن التطبيع السعودي الصهيوني أصبح أحد أهداف السياسة الأمريكية الرئيسية في الشرق الأوسط.. فبايدن، الذي وعد خلال حملته الرئاسية بتحويل السعودية إلى “منبوذة” بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، وضع خلافاته مع محمد بن سلمان جانباً خلال العامين الماضيين عندما أبدت الرياض استعدادها لاحتضان الكيان الصهيوني.. وبالنسبة لإدارة بايدن، فإن التوسط في اتفاق تطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية سيكون بمثابة انتصار كبير للسياسة الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية هذا العام.
ورغم كل هذه المعطيات، لا يعتقد سيباستيان سونز، الخبير في قضايا الشرق الأوسط في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا ويعرف اختصار بـ”كاربو”، أن السعودية والكيان الصهيوني من المحتمل أن توقعا معاهدة في المستقبل القريب.