بقلم : أنطوان ديبوندو

(صحيفة”لا كروا- “la-croixالفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

* ممر بحري ضيق في نهاية العالم يحظى بكثير من الاهتمام, يبلغ طول مدخله 40 كم فقط بأوسع عرض, وهذه المساحة تقدر أكثر بقليل من المساحة التي تفصل كاليه، بلدة ساحلية في فرنسا، عن مضيق دوفر اضيق جزء في بحر المارش, كما يعتبر هذا الجزء من العالم المسرح المفضل للتوترات بين واشنطن وطهران.

* احتجاز السفن, وعمليات التخريب, والقرصنة, والطائرات بدون طيار والتهديدات بالتصعيد المسلح, كل هذه الأحداث خيمت على هذا المضيق منذ مايو الماضي, حيث كان مضيق هرمز بمثابة سجل جيوسياسي تم تحديده على الخرائط كواحد من أكثر المضائق خطورة.

على حدود الجزيرة العربية وبلاد فارس

اشار الباحث “فينسنت إيفلنج” من مركز دراسة الأزمات والصراعات الدولية في جامعة “لوفان” الكاثوليكية المتخصصة في الدراسة السياسة الجيوسياسية والسياسة الخارجية ومنع الأزمات وحل النزاعات, أن كل هذا يرجع إلى الموقع الاستراتيجي المركزي الذي يحتله مضيق هرمز بين الطرق السريعة الرئيسية للنفط, إذ يقع هذا المضيق في منطقة الخليج الفارسي فاصلاً ما بين مياه الخليج من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، تطل عليه من الشمال محافظة بندر عباس الإيرانية ومن الجنوب محافظة مسندم التابعة لسلطنة عمان, وبالتالي أصبح هذا المضيق وسيلة أساسية لناقلات النفط الضخمة التي تربط الخليج العربي إلى الخليج من عمان وخارج المحيط الهندي.

تضم منطقة مضيق هرمز العديد من الجزر – بما في ذلك جزيرة هرمز التي أعطت اسمها للمضيق – حيث تمتاز بعمق المياه الإقليمية الإيرانية، كما يوجد في هذا المضيق ممران الأول دخول والآخر خروج، فهما قناتان ضيقتان جداً على بعد ميلين بحري لكل منها (3.7 كم) مفصولة بمساحة عازلة بنفس العرض, لكنها كافية للسماح بمرور ناقلات تحمل أكثر من 300 ألف طن.

ومن جانبه, أشار عالم الجغرافيا “برنارد هوركيد” ومدير الأبحاث الفخري في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي “CNRS”, أن كل يوم ما يقرب من 100 ناقلة نفط عملاقة تعبر من خلال هذا الممر الواقع تحت السيادة المزدوجة لسلطنة عمان وإيران, ولكن حيث تكون حرية الحركة من الناحية النظرية مضمونة بموجب اتفاقية للأمم المتحدة.

مركز تجارة الطاقة

أشارت” سيلتيم إييغون” الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا في كوفاس – شركة التأمين الفرنسية للتجارة الخارجية- أنه في العام 2018, يمر ما يقرب من 21 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يمثل حوالي ثلث النفط المصدر عن طريق البحر وخمس الإنتاج العالمي, كما يمر من خلال هذا المضيق ربع الغاز الطبيعي المسال (LNG), وهذا يعني أن هذا المكان يقع في قلب التجارة الدولية للطاقة.

وبالنسبة للدول المنتجة في المنطقة، من الضروري أن يبقى مضيق هرمز مفتوحاً وآمناً, فبفضله تضخ المملكة العربية السعودية حوالي 7 ملايين برميل نفط يومياً, في حين تضخ العراق 2.5 مليون برميل نفط, والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وحتى الآونة الأخيرة إيران 2 مليون برميل نفط, كما تضخ دولة قطر 1.5 مليون برميل نفط بصورة يومية, كما ينطبق ذلك بنفس القدر على البلدان التي يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على الإمدادات الثابتة من النفط.

تحتل الدول الآسيوية المقام الأول في قائمة الدول المستوردة مثل الصين, والهند, وكوريا الجنوبية واليابان، حيث تمثل وارداتها من الذهب الأسود نسبة كبيرة, تقدر ما بين 40 ٪ و 80 ٪ من المنطقة، كما تستورد بدرجة أقل، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، حيث يأتي استهلاك الأميركيين والأوربيين بنسبة 5٪ إلى 10٪ من النفط من الشرق الأوسط.

منطقة عسكرية

من الواضح جيداً أن أي حادث في منطقة مضيق هرمز يتم رصده ومراقبته من قبل المجتمع الدولي كيفما يتم مراقبة الحليب على النار, ولكن منذ شهر مايو المنصرم، ارتفعت وتيرة عمليات التسليح في المنطقة العسكرية حيث أن أدنى شرارة يمكن أن تسبب في اندلاع فتيل حرب على نطاق واسع.

عملت البحرية الإيرانية على توقيف ناقلة النفط “ستينا إمبيرو” في 19 يوليو، وهي ناقلة سويدية ترفع العلم البريطاني، تعمل على تعبئة القنوات الغربية التي تحاول دون نجاح حتى الآن التخفيف من حدة الضغط في المنطقة.

ومن جانبه, أشار الباحث تييري كوفيل من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) إلى أنه في حقيقة الأمر ارتفعت وتيرة التوترات منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.

ففي مايو 2018، أعلن الرئيس ترامب الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاقية الموقعة في فيينا في العام 2015 بالإضافة إلى خمس دول أخرى: فرنسا, والمملكة المتحدة, وألمانيا, وروسيا والصين مع إيران التي تعهدت بالحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.

سياسة الصبر

يقول “تيري كوفيل” ، استخدمت طهران  في بدأ الامر “سياسة الصبر”التي كانت تتمثل في الإبقاء على الاتفاق النووي على أمل أن يطور الأوروبيون علاقاتهم الاقتصادية مع طهران, بالرغم من العقوبات الأمريكية, ولكن الحصار الذي تفرضه واشنطن منذ شهور تسبب في الانهيار الاقتصادي للبلد, مما دفع النظام إلى الانتقال إلى مرحلة أكثر هجومية, حيث أعلنت إيران في 8 من  مايو الاستئناف التدريجي لبرنامج لتخصيب اليورانيوم، وألقت في هذه الأثناء تهديدات بإغلاق مضيق هرمز في حال  استمر الحصار الأمريكي على صادراتها النفطية.

كما أردف  الباحث “فينسنت إيفلنج” حديثه, بسبب العقوبات الأمريكية الصارمة، هوت الصادرات النفطية الإيرانية من 2 مليون برميل نفط في اليوم إلى 400 ألف برميل نفط في اليوم في يونيو الماضي, ومع ذلك, فإن صادرات الذهب الأسود تمثل 80 ٪ من أجمالي صادرات البلد وحوالي 50 ٪ من أجمالي ميزانيتها, وبالتالي تتلخص استراتيجية طهران في: “إذا لم نتمكن من تصدير نفطنا، فلن يتمكن أحد من ذلك”.

طهران تصعد من لهجة التهديد

يجب أخذ التهديد على محمل الجد, ومن المؤكد، أن يتفق جميع الخبراء على أن البحرية الإيرانية بالكاد ستثقل كاهلها ضد الأسطول الخامس المتمركز في منطقة الخليج في حالة حدوث صراع مفتوح, ولكن من المؤكد ايضاً أن إيران تمتلك أصولاً عسكرياً لا يستهان به- بما في ذلك قواعد الصواريخ على الساحل وأسطول الزوارق السريعة, التي من خلالها يمكن تعطيل حركة المرور على المدى الطويل.

يرى “تييري كوفيل” أن العمليات الأخيرة تظهر اتباع طهران استراتيجية التهديد اولاً دون ارتكاب أي خطاء لا يمكن اصلحه.

ومن جانبها, حذرت سيلتيم إييغون من أن الجميع لا يزال في مأمن من الانزلاق الذي قد يتسبب في أمور لا يحمد عقباها؟ خاصة في حال الإغلاق  الجزئي للمضيق, حيث سيكون هذا الوضع  محفوفً بالمخاطر, كما أن “ارتفاع سعر الطاقة الذي سيحدث لن يكون بالخبر الجيد عندما يكون الاقتصاد العالمي بالفعل في وضع خامل”.

لعبة القط والفأر

في الوقت الراهن، لا يزال التأثير معتدلاً, حيث كانت حتى الآن, أسعار النفط حساسة بشكل نسبي نتيجة التوترات الجيوسياسية في منطقة الخليج الفارسي.

يأتي هذا لأن الأسواق تعتبر أكثر انشغالاً بالتوترات التجارية الحاصلة  بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهذا السياق لا يفضي إلى ارتفاع الأسعار؟ أو كما يرى برنارد هوركيد، أن مضيق هرمز يصنف بأنه مضيق محلي، تم ترقيته إلى مستوى الأسطورة أثناء حرب الخليج الاولى أو ما عرفت ايضا بالحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن منذ ذلك الحين فقد أهميته الحيوية في دائرة النفط العالمية”؟

ففي الوقت الحالي، لا تزال إيران والولايات المتحدة الأمريكية تلعب لعبة القط والفأر على خط الصدع بين عالمين, بالرغم من كونهم مهددون بالوقوع في “خانة اليك”، مع عدم وجود إمكانية للهروب.

سبعة أسابيع من التوتر خيمت على سماء منطقة الخليج الفارسي

12 مايو, تعرض أربع نقلات نفط للتخريب في المياه الإقليمية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة, حيث جرمت كلاً من واشنطن والرياض إيران التي نفت من جانبها هذه التهم.

13 يونيو, تعرض ناقلتي نفط في بحر عُمان لهجوم, حيث أشارت الإدارة الأمريكية لطهران بأصابع الاتهام, وبدورها نفت طهران تلك التهم.

20 يونيو، الدفاعات الإيرانية تسقط طائرة أمريكية بدون طيار، والرئيس دونالد ترامب يلغي الخيار العسكري في “اللحظة الأخيرة” ضد إيران.

4 يوليو, لندن تحتجز ناقلة نفط إيرانية قبالة مضيق جبل طارق.

18 يوليو, واشنطن تعلن اسقاط طائرة ايرانية مسيرة في مضيق هرمز, لكن ايران نفت فقدانها أي طائرة من طائراتها المسيرة مؤخرا.

19 يوليو, الحرس الثوري يحتجز ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز.

22 يوليو, لندن تعلن عن رغبتها في إنشاء حماية بحرية مع الأوروبيين في الخليج.

28 يوليو, وصفت طهران الدعوة البريطانية الأخيرة بأنها “استفزازية”، حيث عملت في المقابل على مشاركة في اجتماع – “بناء” – وفقاً لطهران – مع الأطراف الأخرى الموقعة في اجتماع فيينا لمحاولة إنقاذ الصفقة النووية.