أحمد فؤاد*

مع دخول كيان العدو نفقه الكابوسي، وانتقاله بجملته إلى مرحلة اليقين بالخطر الفائق على الجبهات كلها، وبالقلق الوجودي على مصير محتوم بالزوال، وتحت قيادة غبية مهتزة، ورئيس وزراء يحارب لمصالح بقائه في الحكم، وفي ظل ما فتح عليها عداونها على الشعب الصامد في غزة، من ردود عسكرية فارقة من حزب الله في شمال فلسطين، ومن فصائل المقاومة العراقية، ثم الضربة الهائلة من شعب العزة وقيادة الحكمة في اليمن، حضر الأميركي مرة أخرى ليحاول لملمة الكيان ودعمه، والذي يستشعر الموت من كل مكان، ولا يستطيع أن يغلق جبهة واحدة، وصلنا إلى عجز الكيان وجيشه الورقي عن النجاح في ملف واحد من ملفات مفتوحة، ولن تغلق أبدًا.

جاء الجنرال الأميركي لويد أوستن إلى “تل أبيب” ليعيد تمثيل مشهد بائس قديم لإعلان السفارة السعودية في واشنطن حربها العدوانية الوحشية على الشعب اليمني في 2015، أوستن هذا يظن أنه يقدم طوق نجاة لكيانٍ بالغ الضعف والارتعاش، وأن تأثيره المعنوي كفيل بـ “إرهاب” قوى المقاومة العربية، وأن حلفًا بحريًا عسكريًا لحماية الملاحة في مضيق باب المندب وخليج عدن، وتشمل الدول المشاركة فيه: الولايات المتحدة وبريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، قادر على كسر اليمن.

هذا التحالف العسكري الجديد، بكل إيمان ومنطق، لن يتمكّن من إعادة عقارب الساعة للوراء. اليمن، وبالرغم من كل ما تحمّله وبذله، يخوض بالأصل حربًا أميركية منذ ثماني سنوات، وربما قبلها بكثير جدًا وبأشكال أخرى، وهذه الحرب الشيطانية قد أكسبت الشخصية اليمنية الثقة والإيمان، ومكّنت البلد المحاصر الفقير من امتلاك بنية عسكرية هائلة، أغلبها خرج من أبطال مجهولين من مهندسين أفذاذ وتقنيين عباقرة، حوّلوا فكرة استمرار حرب 2015 إلى انتحار بالنسبة إلى السعودية والولايات المتحدة، وانتصروا على عالم كامل من الأعداء.

من حق وزير الحرب الأميركي، ببزته العسكرية المتألقة، والتي تحمل 4 نجوم، والكثير جدًا من الأوسمة والميداليات المذهبة البراقة، أن يحلم بدور لنفسه ولبلاده، في العالم يوازي دور “دوايت أيزنهاور” في أوروبا، عقب الحرب العالمية الثانية. كان الرجل، ومعه رئيس أركانه بيدل سميث، يحكمان القارة من مكتبهما في باريس، خارج كل قاعدة وفوق أي قانون ومتحرّرين من القيود كافة، أو يكرر لعب دور دوجلاس “ماك آرثر”، قائد القوات الأميركية في المحيط الهادي، بكل الهالة التي أحاطت بشخصيته، وبكل جنون العنف الذي ميز تصرفاته، بما فيها طلبه الرسمي من الإدارة الأميركية قصف الصين بالقنابل النووية لتأديبها -فقط للتأديب- إبان اندلاع حرب كوريا، والدور الصيني الذي قهر الأميركيين، وكتب أول هزيمة على علمهم بعد الحرب العالمية.

من “حق” الجنرال الأميركي الأقرب إلى شخصية “زنجي البيت”، في الرائعة السينمائية الخالدة لـ “كوينتن تارانتينو”، أن يحلم بلعب دور العبد المنزلي الذي يملك مفتاح حل مشكلات أسياده في واشنطن عبر حماية تل أبيب، والذي أداه ببراعة “صامويل جاكسون”، في فيلم ما يزال يثير الكثير من الجدل منذ عرضه للمرة الأولى في 2012، وحتى اليوم، والذي يحفل بمشاهد تفضح الواقع الحقيقي لأميركا، كما هي على الأرض، لا كما يجري تصديرها إلينا، أو كما قال البطل جانغو لصديقه شولتز، في أحد أهم المشاهد: “إنه حزين؛ لأنه لم يعرف أميركا على وجهها الحقيقي”، وكما أن “أوستن” يعرف الوجه الحقيقي هذا جيدًا، وجيدًا، فقد قرر خدمته بتفانٍ وإخلاص كاملين، وحتى النهاية.
هنا في المنطقة العربية، واليوم بالذات، تخوض المقاومة أنبل معركة في تاريخنا الحديث، وتقدم على كل الجبهات جهدًا عسكريًا وتنسيقًا ومفاجآت مدوية تكسر العدو الصهيوني، وتحارب في الوقت ذاته وتحطم فكرة “الهيمنة الأميركية” من الأصل، وبفعلها الأجل والأعظم، تقدم لشعوب لا تزال ساقطة في فخ حكامها الخونة بسيف الخوف والجيوش الضخمة الجرارة، الفرصة لإعادة الأمل في قدراتها يومًا قريبًا على سحقهم.

اليمن تاريخيًا لا يعرف الهزيمة ولا التراجع، ولا مجال عنده للانهزام أو الاستسلام، هذه ليست كلمات نبوءة قادمة، ولا وقائع كبرى ومعارك هائلة تمتلئ بها صفحات التاريخ، بل هي انعكاس الإيمان بقدرة اليمني على خلق المستحيل وعلى قلب كل معادلاتهم الاستراتيجية فوق رؤوسهم، ببساطة ومن دون تنظير وكلمات رنانة، وصدق فيهم قول رسولنا الأكرم (ص) “الإيمان يمان والحكمة يمنية”.

ما يساعد على استشراف الحماقة الأميركية الجديدة، صاغها لنا سيدنا وسيد المقاومة، في عز سنوات الظلم والهوان العربي، وفي ظرف بشاعة وألم خيانة أنظمة عربية عدة لأي شرف أو دين، أو حتى مصلحة وطنية.

بعد بدء الحرب السعودية- الأميركية على اليمن، خرج سماحة سيد المقاومة، السيد حسن نصر الله، في يوم 27 آذار/ مارس 2015، وقال في خطابه الموجه للشعب اليمني التالي “نصًا”: “من حق الشعب اليمني، من حق الشعب اليمني المظلوم والمضطهد والعزيز والشريف والشجاع والحكيم وصاحب العزم والإرادة، من حقه أن يدافع وأن يقاوم وأن يتصدى، وهو يفعل ذلك وسيفعل ذلك، وأنا أقول لكم: وسينتصر”.

وفي خطابه التاريخي –هنا حين يكون وصف تاريخي صادقًا- خرج السيد في “مهرجان التضامن والوفاء مع الشعب اليمني”، بتاريخ 17 نيسان/ أبريل 2015، وقال سماحة السيد نصًا: اليمنيون سيصمدون، سيثبتون، سيواجهون، هم أهل لذلك. يملكون هذه القيادة وهذه الكفاءة وهذا الجيش وهذا الشعب، وهؤلاء الرجال والنساء والأطفال الذين شاهدنا بعض نماذج منهم قبل قليل ومن كان لله ومن كان لديه هذه المواصفات هو منتصر لا محالة. هكذا نؤمن وهكذا نعتقد”.

هكذا ونؤمن ونعتقد يا سيدنا أن الحرب الحالية هي حرب على المقاومة، وانتصارنا فيها تحول إلى ضرورة وجود، نكون أو لا نكون، وكما فشل الجيش الذي لا يظهر طوال أسبوع في معاركه حول مثلث الشجاعية خانيونس وجباليا، والتي استبقها بوابل هائل وغير مسبوق من التمهيد المدفعي والأحزمة النارية والقصف الجوي، فإنه لم يحقق إنجازًا واحدًا يسوقه للعالم أو لمواطنيه، ولو كان وهمًا محضًا، وعلى الجبهة الشمالية أمام أبطال حزب الله، وبالرغم من تكتمهم الشديد وفرض رقابة عسكرية صارمة على الخسائر البشرية، إلا أن استمرارها لهم مستحيل، الحزب يحطم “قلعة من فولاذ” بنيت بعناية شديدة طوال 17 سنة، ويتركهم في عراء من دون جدران حماية، أي من دون فرصة للبقاء أو العودة إلى هذه المناطق.

* المصدر: العهد الاخباري
* المقال يعبر عن وجهة الكاتب