السياسية: بقلم: أندريه ديمون

في ليلة الثلاثاء، وبعد أسبوعين من القصف المتواصل الذي أودى بحياة عشرات الأطباء والمرضى واللاجئين، دخلت القوات الصهيونية مجمع الشفاء الطبي ورفعت العلم الصهيوني.

وقبل ساعات، زعمت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير أن “حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينية يستخدمان بعض المستشفيات في قطاع غزة، بما في ذلك مجمع الشفاء الطبي، والأنفاق الموجودة تحتها لإخفاء ودعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن”.

وذهبت وسائل الإعلام الأمريكية إلى أبعد من ذلك، حيث وصفت قناة فوكس نيوز مجمع الشفاء الطبي بأنه “مستشفى يستخدم كمقر إرهابي تحت الأرض تديره «حركة حماس»”.

تبين أن هذه الادعاءات كذبة، ولم يعثر جيش الدفاع الصهيونيعلى أي رهائن أو مخابئ تحت الأرض.

بعد تفتيش المجمع الطبي المترامي الأطراف والذي كان يؤوي في وقت ما 60 ألف شخص في وسط منطقة حرب نشطة، لم يتمكن الجيش الصهيوني من تقديم سوى عدد قليل من البنادق الهجومية وسترتين واقيتين من الرصاص “كدليل”.

السبب الحقيقي وراء الهجوم على مجمع الشفاء رمزي وتحدى الطاقم الطبي في المستشفى، الذي تعرض للقصف والقنص المستمرين، أوامر جيش الدفاع الإسرائيلي بالمغادرة، قائلين إنهم يفضلون الموت على التخلي عن مرضاهم.

إن شجاعتهم وتحديهم في مواجهة الإبادة الجماعية الصهيونية قد حظيا بتضامن ودعم الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم.

تنص اتفاقيتا جنيف الأولى والثانية لعام 1949 على عدم مهاجمة المستشفيات والوحدات الطبية الأخرى وحمايتها في جميع الأوقات وهذا يشمل المستشفيات المدنية والعسكرية.

وبهذا، يشكل الهجوم على المستشفيات والعاملين في المجال الطبي جريمة حرب بموجب القانون الجنائي الدولي.

في مواجهة التصريحات القاطعة الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وعدد لا يحصى من منظمات حقوق الإنسان بأن المستشفيات ليست أهدافا، ترسل كيان إسرائيل واسيادها الإمبرياليون رسالة مختلفة: نعم، إنهم كذلك.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية هاجمت المستشفيات عدة مرات خلال “حربها على الإرهاب”، إلا أنها حاولت تصوير هذه الأعمال على أنها حوادث.

في أكتوبر 2015، قتلت غارة جوية أمريكية ما لا يقل عن 22 شخص في مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في قندوز، بأفغانستان.

وفي ذلك الوقت، أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتذارا، قائلا إن الضربة كانت “خطأ”.

ومع ذلك، تدعم الولايات المتحدة الأمريكية اليوم الهجمات على المستشفيات وجرائم الحرب الأخرى باعتبارها أعمالا مشروعة “للدفاع عن النفس”.

قال مسؤولون أمريكيون مرارا ردا على المذابح الصهيونية الحاصلة في مستشفيات غزة إنه لا يوجد “خط أحمر”

منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وثقت منظمة الصحة العالمية ما لا يقل عن 137 هجوما على المرافق الصحية، أسفرت عن مقتل 521 شخصا وإصابة 686 آخرين، بما في ذلك 16 حالة وفاة و38 إصابة في صفوف العاملين الصحيين.

لا تشمل هذه الإحصائيات أفظع هجوم تعرض له مستشفى، وهو تفجير المستشفى الأهلي العربي في 17 أكتوبر2023، والذي أسفر عن مقتل ما بين 250 وجرح 471 اخرين، لكن كيان إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية زعمتا أن الهجوم كان نتيجة صاروخ أطلق من قطاع غزة، مستشهدتين بأدلة تم دحضها بسرعة.

حرب كيان إسرائيل على المستشفيات هي جزء من حملة ممنهجة للإبادة الجماعية والاختيار المتعمد لجيش الدفاع الصهيوني لاستهداف السكان المدنيين والأطفال والعاملين في المجال الطبي والعاملين في المجال الإنساني مبدأ توجيهي.

ارتكبت جرائم الحرب هذه كجزء من التصريحات العلنية بنية الإبادة الجماعية، حيث أعلن وزير الزراعة الإسرائيلي “نكبة 2023” واقترح وزير الداخلية طرد الشعب الفلسطيني من القطاع.

أفعال إسرائيل في غزة هي “حالة نموذجية للإبادة الجماعية”، كما كتب كريغ مخيبر، المدير السابق لمكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في نيويورك، في خطاب استقالة بتاريخ 28 أكتوبر.

“إعلانات النوايا الصريحة من قبل قادة الحكومة والجيش الصهيوني لا تترك مجالا للشك أو النقاش”.

في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية انتهكت القانون الدولي بشكل منهجي لعقود، فإن دعمها العلني لإجراءات كيان إسرائيل ضد شعب قطاع غزة في ظل ظروف يعلن فيها المسؤولون الصهاينة بشكل لا لبس فيه عن نيتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية يمثل خطوة مهمة أخرى في تطبيع جرائم الحرب.

أشار الصحفي الاستقصائي الصهيوني رونين بيرغمان في العام 2018 إلى أنه على مدى السنوات الـ 50 الماضية، شكلت تصرفات دولة كيان إسرائيل سابقة للسياسة الأمريكية.

وأهم مثال على ذلك هو مبدأ “الاغتيال المستهدف”، أي الاغتيال الذي تقره الدولة “لقد لجأت كيان إسرائيل إلى الاغتيال والاغتيال المستهدف أكثر من أي دولة غربية أخرى”.

في 17 سبتمبر 1948، نصبت مجموعة من الإرهابيين الصهاينة كمينا لوسيط الأمم المتحدة السويدي، الكونت فولك برنادوت، وقتلوه في القدس.

لعب إسحاق شامير، الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء كيان إسرائيل، دورا في الموافقة على اغتيال برنادوت والتخطيط له.

في نوفمبر من العام 2000، أصبحت كيان إسرائيل أول دولة في العالم “تعترف علنا بأنها تنتهج سياسة القتل المستهدف”، كما كتب نيلز ميلتزر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب، في العام 2009.

وبعد فترة وجيزة، “تبنت الولايات المتحدة علنا طريقة الاغتيال المستهدف”.

“يشير مصطلح “القتل المستهدف” إلى استخدام القوة المميتة المنسوبة إلى شخص من أشخاص القانون الدولي عن قصد وسبق الإصرار والقرار المتعمد بقتل أشخاص مختارين بشكل فردي ليسوا في الحجز المادي لأولئك الذين يستهدفونهم”.

نفذت الولايات المتحدة أول هجوم معروف بطائرة بدون طيار خارج منطقة حرب في اليمن في العام 2002.

وفي العام 2011، قتل رجل الدين أنور العولقي وابنه، وكلاهما مواطنان يحملان الجنسية الأمريكية، في غارات منفصلة بطائرات بدون طيار في اليمن.

في العام 2020، قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في العراق قاسم سليماني، وهو مسؤول عسكري إيراني كبير، أثناء زيارة رسمية إلى العراق.

وكما هو الحال مع اعتماد “الاغتيالات المستهدفة”، فإن جرائم الحرب التي ترتكبها كيان إسرائيل حاليا سوف تصبح الأساس الجديد لجرائم أكثر خطورة ترتكبها الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأخرى.

هذه هي أهمية قبولهم الصريح للإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها كيان إسرائيل.

الولايات المتحدة منخرطة في تصعيد الحرب العالمية – حرب متصاعدة ضد روسيا واستعدادات للحرب ضد إيران والصين – والتي سوف تتطلب العنف على نطاق غير مسبوق.

إن الجرائم التي ترتكبها كيان إسرائيل، بما في ذلك القتل الجماعي والتشريد القسري لشعب بأكمله، تشكل سابقة لاستخدام العنف المميت، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.

تسعى الطبقات الحاكمة إلى إزالة حساسية السكان لاحتمال مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من الوفيات، لكن الحرب في الخارج هي حرب في الداخل.

في مواجهة حركة الإضرابات المتنامية والاحتجاجات الجماهيرية ضد المجزرة في قطاع غزة، سوف تستخدم الطبقة الحاكمة الأمريكية بشكل متزايد أدوات الإرهاب الجماعي ضد سكان المدن، التي تم تطويرها في قطاع غزة، ضد المعارضة الداخلية الصاعدة.

الأحداث في قطاع غزة هي تحذير: الطبقات الحاكمة الإمبريالية، اليائسة والمحشورة في الزاوية، لن تتوقف عند أي شيء لتأمين مصالحها العالمية، بما في ذلك القتل الجماعي.

إن مستقبل البشرية يتطلب كسر قبضة الأوليغارشية المالية على المجتمع، الأمر الذي يتطلب بناء حركة اشتراكية جماهيرية للطبقة العاملة.

*11 جمادى الأولى ١٤٤٥، الموافق 25 نوفمبر 2023(موقع “الويب الاشتراكي العالمي” الامريكي، النسخة الفرنسية -ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع