بقلم: علي حسين بكير و جورجيو كافييرو

 

(موقع “ميدل ايست أي” البريطاني، ترجمة: نجاة نور– سبأ)

من دون التدخل العسكري الأمارات المباشر في الحرب ضد الحوثيين، يجب على المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع سجلها المليء بالأخطاء في اليمن.

في مارس 2015 أطلقت السعودية وبعض حلفاءها من الدول العربية والافريقية عملية  عسكرية اسمتها”عاصفة الحزم” لسحق التمرد الحوثي في اليمن، وكانت حليف الرياض الأكثر أهمية دولة الإمارات العربية المتحدة.

فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، اعتمدت السعودية اعتماداً كبيراً على الإمارات في الطلعات الجوية وجمع المعلومات الاستخبارية والعمليات الميدانية وتدريب المقاتلين اليمنيين المناهضين للحوثيين.

لكن في الشهر الماضي، اقدمت الإمارات على سحب المئات من قواتها من ساحل البحر الأحمر في اليمن وأيضا عدداً من الدبابات وطائرات الهليكوبتر, وعلى الرغم من أن الإمارات لم تسحب كافة قواتها، إلا أن أنباء الانسحاب الشامل أدت إلى الكثير من الجدل المتضارب في الأوساط الغربية حول خطط أبو ظبي تجاه اليمن.

تصاعد التوترات

بدأ الانسحاب في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يجعل الإمارات أكثر عرضة لسيناريو يمكن أن يجعلها ساحة معركة في صراع إقليمي أكثر اتساعاً.

السناتور الديمقراطي بوب مينينديز، وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، هدد بتجميد مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات في أعقاب تقارير تشير الى قيام أبو ظبي بنقل صواريخ أمريكية الصنع إلى اللواء خليفة حفتر، في انتهاك واضح للقانون الأمريكي والدولي.

لا شك أن الإمارات لديها مخاوف بشأن رد فعل الولايات المتحدة نتيجة دورها في اليمن، وكذلك ليبيا, حتى إذا لم تقم واشنطن بإلغاء مبيعات الأسلحة إلى أبو ظبي، فإن هذا الاهتمام السلبي يعمل على تشويه سمعتها في العاصمة واشنطن.

حرب مُضللة

أن تزايد الضغط من جانب لندن على حرب اليمن هو أيضا سبب اضافي لهذا الانسحاب, حيث قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة الاسبوع الماضي بأن تراخيص بيع الأسلحة البريطانية إلى الرياض “غير قانونية” ما يترتب على ذلك عواقب كبيرة على العواصم الأخرى المشاركة في التحالف العربي، بما في ذلك أبو ظبي.

أما في حالة العلاقة بين الإمارات والمملكة المتحدة، تظل قصة “ماثيو هيدجز” نقطة خلاف أخرى أضرت بمكانة أبو ظبي لدى لندن.

الحكمة التقليدية المتنامية بين المشرعين الأمريكيين هي أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفائها يجب أن يواصلوا القتال ضد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في اليمن، إلا أن حرب التحالف العربي المدعومة من الولايات المتحدة ضد الحوثيين كانت مضللة.

وهكذا، وكما أعرب الإماراتيون عن تصميمهم الواضح على مواصلة حملة الإمارات المثيرة للجدل ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن تحول أبو ظبي في التركيز قد يثير بعض الاهتمام لدى المؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن.

الإمارات العربية المتحدة مصممة على أن تظل لاعباً رئيسياً في اليمن، حيث تقاتل أعدائها وتوطد نفوذها عبر وكلائها, وبالرغم من انسحاب معظم قواتها فسيبقى هناك 90000 مقاتل يمنيين يتبعونها ومُدرّبين من قبلها.

هؤلاء الوكلاء الذين يتألفون من رجال القبائل وقوات الأمن السابق والانفصاليين الجنوبيين سيستمرون في تلقي الأسلحة والمال من الإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال ملتزمة بطموحاتها المتمثلة في السيطرة الفعالة على البنية التحتية للموانئ الرئيسية في اليمن.

قال المفكر السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: “إن الرأي النهائي الذي دفع الإمارات إلى سحب قواتها في اليمن هو ثقتها في أن القوات المحلية اليمنية ستتمكن من مواصلة المواجهة ضد  الحوثيين بمفردهم.

قامت الإمارات بالفعل بتدريب ما يقارب الـ 90000 من القوات اليمنية القادرة على ملء الفراغ ودعم الحكومة اليمنية الشرعية, حيث تم تدريبهم وتجهيزهم بشكل جيد وقد خاضوا أيضا العديد من المعارك.

غضب دولي

لسنوات، قام الإماراتيون برعاية القوى الانفصالية في الجنوب الذين يرفضون شرعية الرئيس اليمني المعترف به دولياً، عبد ربه منصور الذي انضم إلى الرياض في السعي للحفاظ على وحدة اليمن بين الشمال والجنوب.

وعلى الرغم من التكهنات بأن مثل هذه الأجندات المتصادمة يمكن أن تؤدي إلى صدع كبير في التحالف العربي، فإن هذا لم يحدث على الأقل ليس في العلن.

ومع ذلك، ليس من الصعب تخيل أن المسؤولين السعوديين يشعرون بالإحباط إزاء النهج الإماراتي المتطور في الحرب اليمنية.

إن سحب أبو ظبي لمعظم قواتها سوف يولي اهتماماً عالمياً للتقارير التي تشير الى قتل التحالف المدنيين اليمنيين.

ومع تمسك الرياض بجدول أعمالها لمكافحة الحوثيين، ستكون المملكة الهدف الوحيد في وجه الغضب الدولي بالتزامن مع استمرار أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ومع تحول تركيز الإمارات أكثر نحو مكافحة القاعدة في جزيرة العرب، ستتحمل المملكة عبء حرب أثقل، اذا ما أستمر جيشها في محاربة الحوثيين.

في وقت سابق من هذا الشهر، تولى السعوديون قيادة مينائي المخا والخوخة المطلان على  البحر الأحمر، حيث كانت الإمارات حتى وقت قريب تستخدمهما لمراقبة الساحل اليمني للقيام بعملياتها للسيطرة على الحديدة.

يبقى أن نرى كيف سيتغلب الجيش السعودي على التحديات الجديدة في اليمن، حيث قامت بنشر قوات برية أقل بكثير من الإمارات منذ عام 2015.

ضعف وانقسام

من المرجح أن تستغل إيران والحوثيون انسحاب الإمارات لأغراض ترويجية. فبعد عدة أشهر من إظهار الحوثيين تقدمهم في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ، التي أُثبت استخدمها في هجماتهم ضد أهداف سعودية استراتيجية، سيسعى الإيرانيون والحوثيون إلى تصوير انسحاب الإمارات باعتباره علامة على الضعف والانقسام من جانب التحالف العربي.

ومع تهديدات الحوثيين باستهداف الإمارات إذا واصل الإماراتيون قتالهم في اليمن، فإن المخاوف الأمنية الحقيقية ربما دفعت أبو ظبي إلى إعادة النظر في نهجها.

في نهاية المطاف، فإن انسحاب الإمارات المليء بالمعلومات عن الانقسامات الجوهرية التي كانت موجودة في التحالف العربي منذ البداية.

وبالنسبة لأبو ظبي، كان إنشاء إدارة مقربة وموالية للإمارات في عدن أكثر أهمية من مسألة السيطرة على شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون في الوقت الحالي.

ومع ذلك، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن احتمالات توحد الحوثيين في شمال اليمن لها آثار مباشرة على أمن حدود المملكة أكثر بكثير من الإمارات.

كان يقاتل الإماراتيون في اليمن لمواجهة قوى التيارات السياسية الإسلامية المتمثلة بجماعة الإخوان المسلمي” الإصلاح”، التي كانت تتلقى دعماً من الرياض، على الرغم من محاولات الإمارات السابقة لإقناع القيادة السعودية بالتخلي عن الجماعة, ألا أنه بالنسبة للإمارات فأن تعزيز دورها في جنوب اليمن والبحر الأحمر يحتل أولويتها القصوى, ومن هذا الجزء من اليمن, يمكنها أن تستمر في بسط نفوذها في جميع أنحاء اليمن والقرن الأفريقي ومضيق باب المندب.

ومع ذلك، وبسحب الإمارات لمعظم قواتها من اليمن فأنها قد تركت الرياض تواجه معضلة كبيرة متمثلة بتهديد فعلي على الأمن القومي السعودي من قبل الحوثيين، وهذا الخطر سيزداد فقط مع اي تقدم يحرزه المتمردين المتحالفين مع إيران في قدراتهم على استخدام الطائرات بدون طيار والقذائف.

الآن وبدون التدخل العسكري المباشر للإمارات في الحرب ضد الحوثيين، يجب على المملكة أن تتعامل مع سجلها المليء بالأخطاء التي لا حصر لها في اليمن، والتي أدت إلى أن تكون المملكة أكثر عزلة في الصراع الذي يديره الآن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

تثير هذه الخطوة أيضاً تساؤلات مهمة حول مستقبل التعاون السعودي الإماراتي في اليمن، وتداعياته في قدرة التحالف العربي على الحفاظ على شكل تماسكه.

فيما يُرجح بعض الخبراء أن انسحاب الإمارات من اليمن ما هو إلا مجرد وهم يهدف إلى تحسين صورة أبو ظبي لدى دول الغرب.

من جانب آخر، وعلي خلفية تخلي المشرعين الأمريكيين عن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، فإن الجهود التي تبذلها الإمارات لإبعاد نفسها عن التداعيات السياسية السلبية الفعلية لاسيما بالنظر إلى شبح الرئيس دونالد ترامب الذي خسر محاولته لإعادة انتخابه العام المقبل كمنافس ديمقراطي.