ضربة البحر الأحمر اليمنية.. الضغط الاستراتيجي
السياسية:
ليس خافيًا امتلاك صنعاء قدرات بحرية تسليحية استراتيجية وقوة بحرية عملت على بناء خلال سني الحرب الضاغطة، رغم الإمكانات الضئيلة التي ترد على هذا البلد المفروض عليه أكثر من حظر بينها حظر توريد السلاح.
هذه القوة، شكلت أحد عناصر الردع طوال سنوات خلت، ولعبت دورا في التفاوض دون أن تستخدم بشكل مفتوح إلا بما يخدم ما ترى صنعاء أنه يحتاج إلى دفع، تماما كما حصل في عمليات منع نهب الثروة في شبوة وحضرموت وخليج عدن، أو باستهداف بوارج عسكرية لدول التحالف خلال سنوات الحرب، لكن أسر السفينة الإماراتية “روابي”، العام الماضي، المحملة بالأسلحة إلى مرتزقتها وقواتها كانت أبرز تلك العمليات، لأنها كانت تنم عن قدرات رصد وتتبع وتشخيص يمني، أد إلى أخذ المبادرة بالسيطرة على السفينة واقتيادها إلى الساحل اليمني.
ما حصل مع السفينة الصهيونية يوم الأحد التاسع عشر من أكتوبر مشابه لما حصل مع السفينة روابي من حيث الأسلوب، لكنه من حيث السياق هو أمر مختلف تماما، ويجب التوقف عنده من جوانب عدة وقراءة أبعاده.
قبل أيام من موعدها، أعلن السيد عبد الملك الحوثي بوضوح أن بلاده تتبع السفن الصهيونية في البحر الأحمر، متوعدا بتوقيفها والتنكيل بها. كان السيد عبد الملك يسقط عنصر المفاجأة والمباغتة بحراً، ويؤكد أن ضرورات إسناد المقاومة في فلسطين تسقط أمامها المحرمات كافة، منها استخدام ورقة البحر الأحمر، التي كانت تحتفظ بها صنعاء وربما كانت في طور إشهارها من بوابة متطلبات التفاوض أو حتى انهياره.
قدمت صنعاء البعد الإقليمي المتعلق بالقضية الفلسطينية على أولوياتها الوطنية، وهو ما يعد جرأة غير عادية خصوصا بعد سلسلة التهديدات الأميركية التي أجاب عنها السيد عبد الملك بأن صنعاء “ليست ضمن دائرة إملاءاتكم”.
عملية السيطرة على السفينة الصهيونية
بعد إنذار السيد كثفت بحرية القوات المسلحة اليمنية عمليات الرصد والتتبع، ونجحت في تحديد هوية السفينة “Galaxy leader” وملكيتها لرجل أعمال إسرائيلي، وعليه أقدمت قوة من عناصر البحرية، قال الأميركيون إنهم استخدموا طوافة وزوارق، وسيطرة عليها واقتادتها إلى السواحل اليمنية.
وفي قراءة لوقائع العملية يتبين التالي:
– قدرة اليمنيين على الرصد العالي والتتبع والتشخيص وهذه أمور ثلاثة تنم عن قدرات استخبارية عالية على صعيد البحر.
– توفير القدرة لعملية السيطرة رغم المخاطر إذ تعج المياه الدولية في البحر الأحمر بالبوارج الغربية وعلى رأسها الأميركية، خصوصا بعد نشر الأخيرة ثلاثة آلاف جندي قبل مدة وإدخال قطع بحرية إلى تلك المنطقة، وقبلها إجراء مناورات بحرية مشتركة مع دول عدة من بينها دولة عربية وكذلك الكيان الصهيوني.
– جرأة الإقدام على العمل وهو أمر يكرر نفسه بعد سلسلة عمليات الاستهداف الصاروخية وبالمسيرات لأهداف جنوب فلسطين المحتلة.
أمام ما بينته صنعاء من خلال العملية وبيان قواتها المسلحة الذي يحصر الأمر بالسفن الصهيونية فقط، في إشارة إلى أمن وأمان الممر البحري الحيوي الذي يشرف عليه اليمن، فلا بد من الوقوف عند أبعاد الخطوة ورسائلها في هذه المرحلة:
قبل أيام، ووفق مصادر متقاطعة، بعضها تحدث لوسائل إعلام غربية، توصل الأطراف في صيغة شبه نهائية لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار لمدة خمسة أيام، قيل إنها قابلة للتجديد، تتضمن الإفراج عن محتجزين مقابل أسرى فلسطينيين من نساء وأطفال، وزيادة إدخال المساعدات عبر معبر رفح من بينها الوقود، لكن كيان “إسرائيل” ترفض وضع الأمر حيز التنفيذ وهو ما فهم على أنه ضوء آخر أميركي أو فترة سماح إضافية لتحقيق جيش الاحتلال مكتسبات ميدانية في عمليته البرية تساعده على فرض مزيد من شروطه، وعليه شرع بتسريع عمليته اتجاه مجمع الشفاء عليه يجد “الكنز” الذي يسعفه هناك وهو ما لم يحصل.
رغم ذلك، أعاد الأميركيون منح الفرصة لمجلس حرب العدو، وهو ما يمكن فهمه من خلال المؤتمر الصحفي الثلاثي لنتنياهو وغانيتس وغالانت، يوم السبت، والذي أوحى بتصعيد العملية بحثا عن منجز، وهو ما لمس في الميدان من خلال تصعيد الضربات ومحاولات التوغل.
أمام هذا المشهد، كانت الجبهات إلى جانب المقاومة في غزة تصعد من ضرباتها، وشهد يوم الأحد تصعيد المقاومة الفلسطينية من عمليات التصدي على مختلف محاور غزة وهو ما نتج عنه مقتل وجرح عشرات الجنود الصهاينة، وانكفاء الدبابات عن بعض محاور شمال المدينة، بحسب مصادر محلية. وعلى جبهة لبنان، سجل رفع وتيرة التصعيد حيث بلغ عن استهداف ما يزيد عن 14 موقها صهيونيا وتجمعا للجنود، فيما حصل التطور الأكبر على جبهة اليمن بالسيطرة على السفينة الصهيونية.
هكذا تتضح الصورة بأن التصعيد من قبل الجبهات كان يهدف إلى الضغط على الجانب الأميركي أولا، ثم مجلس الحرب الصهيوني للذهاب نحو القبول بصفقة التبادل أولا وفق شروط المقاومة الفلسطينية، ووضع مجريات هذا اليوم أمامه من أجل بدء التفكير جيدا بضرورة وقف النار كليا لأن مواصلة الحرب سيعني مشهدا موسعا وكبيرا مشابهاً لمجريات يوم الأحد 19-11.
في البعد الاستراتيجي لعملية السيطرة على السفينة الصهيونية:
نجحت صنعاء أولا في تأكيد عدم اكتراثها للتهديد، وعمليا بينت عن قدرات متنوعة تخولها الذهاب بعيدا في حال توسع المواجهة نتيجة الحرب الصهيونية على غزة وما تتمتع به من غطاء أمريكي وغربي وغض نظر إقليمي للأسف، وبأنها قادرة على لعب أوراق بحرية قد يكون بعضها خافيا عن الأميركيين وحلفائهم في المنطقة، وكذلك إمساكها بقوة بكثير من تفاصيل الأمور في البحر الأحمر، وأنها على دراية – ربما تامة – بما يجري فيه من تموضعات ومقدرات أو حتى على سواحله الغربية. من هنا، فإن صنعاء أعطت مؤشرا على قدرتها في التحكم بممر باب المندب دون أن تكون موجودة على ضفافه، وأنها في أي مواجهة شاملة قادرة على شل الحركة البحرية العالمية.
وبطريقة غير مباشرة، من الطبيعي أن تنعكس هذه العملية على مجريات التفاوض مع السعودية فيما يتعلق بالملف الإنساني، وبالتالي الدخول في تفاوض لإنهاء الحرب، والاعتبار الأبرز هو في تحدي الإرادة الأميركية، التي قد ترضخ للوقائع الجديدة والذهاب نحو إعطاء زخم للهدنة عوضا عن تعطيلها وعرقلتها، لأن من اتخذ قرار السيطرة على السفينة الصهيونية هو قادر على وضع ورقة البحر الأحمر بالثقل الذي يريد خدمة لشعبه ومستقبله وسيادته.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة نقلت حرفيا من المصدر