عدم وصف الحرب بأنها “ضد إيران” هو كلمة السر لإنهاء العنف في اليمن
بقلم: جانافي آبتي*
(صحيفة “فرايتاج” الألمانية نقلا عن معهد السلام الدولي، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-
في الأسابيع الأخيرة، قلصت الإمارات العربية المتحدة وجودها العسكري في اليمن، على ما يبدو بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية. وتضمنت التغطية الإعلامية لهذا الحدث تحليلات واسعة من حيث تأثير هذا الانسحاب على تورط المملكة العربية السعودية في الصراع الإقليمي مع إيران.
يتماشى ذلك مع الإطار العام للنزاع اليمني: صراع إقليمي على السلطة بين إيران من جانب، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جانب آخر التعليقات العلنية الأخيرة لوزير الخارجية اليمني السابق، خالد اليماني، تؤكد هذه الحقيقة. فقد أشار إلى أن هذه الحرب هي معركة من أجل الحرية ضد إيران. إلا أن حصر الأزمة في اليمن في بوتقة المعركة الثنائية غير منصف إزاء التعقيدات في المجتمع اليمني وما يجري فعلياً على الأرض. ناهيك عن كونه يعمل على الحيلولة دون نجاح الجهود المبذولة لإنهاء الصراع وإحلال السلام.
السياسة والمجتمع اليمني:
إلى جانب الأعمال القتالية الحالية، كانت اليمن منذ فترة طويلة دولة ذات بيئات اجتماعية وسياسية واقتصادية غير مستقرة. على الرغم من النجاح الذي تحقق في الربيع العربي، إلا أن البلاد انزلقت سريعاً إلى الفوضى لأن القيادة الجديدة فشلت في تعزيز قوتها وتنفيذ التغييرات اللازمة لتجاوز التراجع الذي لحق بالبلاد منذ أكثر من ستة عقود.
اليوم، هناك ما لا يقل عن أربع مناطق مترابطة مع بعضها ولكنها منفصلة بسبب الصراع المستمر في اليمن: الحرب بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية؛ الصراع من أجل الخلافة في الجنوب؛ النزاع في جنوب شرق البلاد ضد الجماعات الإسلامية التابعة لكل من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، ومعارك تعز وميناء الحديدة. لكل ساحة من هذه الساحات صراع خاص بين خصومها واستراتيجياتها وأهدافها الخاصة، وهذا يؤكد بطريقة خاصة أن التجارب والتحديات لم تكن متجانسة ومستمرة وأنه حتى وإن وجد حل لن يستمر.
على الرغم من أن اليمنيين اجتمعوا لإيجاد حل لهذه التحديات في مبادرة مجلس التعاون الخليجي في العام 2011، أو في مؤتمر الحوار الوطني في العام 2013 أو اتفاقية ستوكهولم الأخيرة في العام 2018 – إلا أن هناك افتقار إلى الإرادة السياسية وهناك تدمير منهجي للاقتصاد والبنية التحتية في اليمن، مما أدى إلى نشوء حلقة خطيرة من العنف الذي لا ينتهي واضطرابات سياسية.
إن القلق مستمر من كون الصراع ذو السمة الثنائية يؤكد عدم جدوى التقارب. وبالتالي تم العمل على التركيز الاستراتيجي على إيران واعتبارها “الممثل السيئ” الوحيد في الصراع وأنها العامل الوحيد وهذا من شأنه أن يقوض النواميس الخاصة بالقوى التي تعمل على تعقيد الأزمة ناهيك عن كون إيران قادرة على صرف الانتباه والمسؤولية عن القيادة اليمنية. ولكن على الرغم من أن تلك تبدو وسيلة سهلة للخروج من الأزمة إلا أنها لن تؤدي في النهاية إلا إلى تفاقم التوترات والعنف في البلاد، مما يفتح المجال لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة لمتابعة مصالحها الخاصة في المنطقة ، على حساب اليمن.
المملكة العربية السعودية في اليمن
تتفق الأهداف المعلنة للتدخل بقيادة السعودية في اليمن مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 ، الذي يدعو إلى دعم الدول العربية “بكل الوسائل والتدابير، بما في ذلك التدخل العسكري” ويؤكد على “سلطة حكومة اليمن الشرعية” ضد عدوان المتمردين الحوثيين. ومع ذلك، فإن السعوديين يمثلون أيضاً التحالف السني ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، الذين يخشون صعود الحوثيين – الشيعة – لأنهم يسيطرون على الأراضي اليمنية. إن وصف هذه الحرب بأنها حرب فردية، ضد إيران، من شأنه أن يخدم هذه الاهتمامات بشكل جيد، لأنه يمنح السعوديين ما يكفي من القوة لاستخدامه كمبرر للتدخل المستمر في اليمن
لم تحجم المملكة العربية السعودية عن التعبير عن المخاوف بشأن صعود أكبر منافس لها في الفناء الخلفي.
وكقائد مهم للعالم الإسلامي بحكم كونه الوصي على مكة والمدينة، يظل نجاح حملة البلاد لإضفاء الشيطانية على جمهورية إيران الإسلامية أمراً بعيد المنال، لكنه وفر فرصة كبيرة لحلفائها مثل الولايات المتحدة لمزيد من استغلال التوترات مع طهران.
أدان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو مؤخراً إيران ووكلائها بسبب الهجمات غير المبررة على مصالح الأميركيين وحلفاؤهم، في إشارة إلى الهجوم الأخير من قبل الحوثيين على مطار أبها جنوب المملكة العربية السعودية.
وهو يتابع بنشاط مسألة بناء تحالف عالمي يضم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وحلفاء آسيويين وأوروبيين لمواجهة إيران، والتوترات الأخيرة في الشرق الأوسط.
لم يتصاعد العنف في اليمن إلا منذ أن شنت المملكة العربية السعودية هجمات جوية ضد قوات المتمردين الحوثيين في صنعاء، والتي ردت بعد ذلك بعمليات متجددة لهجمات الطائرات بدون طيار على أبها وجيزان.
إذا استمرت التوترات في التفاقم، فقد تستمر هذه الهجمات غير المؤكدة في إحداث آثار كارثية يمكن أن تتوسع في كل من اليمن والمنطقة ككل، لا سيما بالنظر إلى الأزمة المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة. إذا استمر هذا الوصف للحرب بأنها “حرب ضد إيران” وحذت الحكومة اليمنية نفس ذلك الحذو، فإن احتمال تنحي السعودية ووقف الأعمال العدائية غير مرجح.
لن يؤدي هذا إلا إلى زيادة العنف وعدم الاستقرار الإقليمي، وينتج عنه عكس النتيجة المرجوة منها: إيران أكثر نفوذاً. حتى الآن، كان دور طهران في شؤون اليمن هامشياً، وبخاصةً مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
الحرب في اليمن هي سيناريو توزيع أرباح منخفضة التكلفة لإيران. وهي طريقة بسيطة لجعل أكبر منافسها في المنطقة غير مستقر. علاوة على ذلك، فإن التدخل الأجنبي المستمر من جانب جميع الجهات الفاعلة لن يترك مجالاً لليمنيين لصنع السلام فيما بينهم.
هناك خطر إضافي يتمثل في الخلط بين الحوثيين والمصالح الإيرانية، الأمر الذي يمثل مشكلة بسبب التأثير المحدود لإيران على تكتيكات الحوثيين.
على الرغم من أن إيران قدمت دعماً عسكرياً وتقنياً علنياً للمجموعة، إلا أنها لم السبب وراء صعود الحركة الحوثية.
تتبع المجموعتان فرعين منفصلين للإسلام الشيعي، ويبدو أن التعاون يعتمد إلى حد كبير على الطموح السياسي أكثر اعتماده على المعتقدات الدينية.
من المهم مراعاة هذه الحقائق في أي تحرك دبلوماسي لبناء الثقة لدى الحوثيين والتوضيح لهم بأنه لن يتم تجاهل مصالحهم واهتماماتهم.
الطريق إلى السلام:
سيكون الطريق إلى السلام في اليمن طويلاً وشاقاً، ولكن الطريقة الوحيدة لضمان استدامته هي أولاً التعرف على الأزمة من حيث ما هي عليه حقاً وكيف نشأت: هناك شبكة من الديناميات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية شديدة الانقسام والتي تزداد تعقيداً بفعل العديد من الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية. لا توجد مشكلة واحدة يجب مواجهتها وإنما مشاكل عدة، وبالتالي لا يوجد حل واحد مباشر.
إن إثبات أن إيران هي الجهة الفاعلة الوحيدة ذات النوايا الطيبة ستؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التوترات في المنطقة وتفاقم أزمة إنسانية ساحقة بالفعل.
كما يمكن أن يشجع استمرار التدخل الأجنبي في اليمن، والذي لن يخلق بيئة مواتية لاتفاقات السلام الشاملة والشاملة، ولا يعالج القضايا العميقة التي تشكل الجذور التي ابتلي بها المجتمع اليمني منذ عقود.
مما لا يثير الدهشة، أن الشعب اليمني هو الوحيد الذي يتحمل العواقب الوخيمة لهذا النهج الخاطئ. وليس إيران ولا السعودية.
يجب على القادة المحليين والإقليميين والدوليين فهم هذه الديناميات (نواميس القوى المحركة للأزمة) لتكون قادرة على شق الطريق لسلام مستدام.
يمثل الوضع في اليمن مجموعة متنوعة من الأسباب والآثار التي أثبتت أنها غير محسومة إلى حد كبير وتعتمد على الحلول التقليدية القائمة على القوالب المصبوبة.
هناك حاجة إلى تنفيذ تدابير شاملة لمعالجة الأزمة، ولكن لن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال فهم وتحليل شامل للنزاع نفسه، وتطوير القدرة المؤسسية من قبل الحكومة اليمنية للضغط من أجل الإصلاحات الضرورية.
وهذا يعني أن العبء الأساسي لمواجهة هذه التحديات يكمن في يد الحكومة اليمنية. إن التدخل الدولي في اليمن تسبب في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وإذا استمرت القيادة اليمنية على هذا المسلك، فإن أكبر الخاسرين سيكون ملايين المدنيين اليمنيين، الذين قد لا يعرف الكثير منهم السلام.
*جانافي آبتي هي مسؤولة حماية المدنيين والشؤون الإنسانية داخليا في معهد السلام الدولي (IPI).