السياسية:

ما زال المزاج الشعبي في المغرب رافضاً لكافة أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني، فما من ذكرى أو مناسبة، إلا ويجدد فيها رفضه لذلك الكيان وللتطبيع معه، ولا سيما بعد استئناف الرباط في 10 ديسمبر 2020، العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الاحتلال، بعد توقفها عام 2000، ليبدأ توافد المسؤولين الإسرائيليين إلى المغرب، وبمستويات رفيعة.

المغاربة ضد الكيان

كان لمكونات المجتمع المغربي مشاركات مهمة ضد الكيان الصهيوني، وفي فعاليات رفض التطبيع معه، وفي إدانته وتجريمه في كل أنماط السلوك الإجرامي التي يقوم بها، ولا سيما ضد الفلسطينيين، إذ شارك المغاربة – وفق البيان الختامي لمؤتمر “مغاربيون ضد التطبيع” المنعقد في 24/10/2020 – في كلّ الحروب التي خاضتها فلسطين ابتداء من حرب عام 1948م وصولًا إلى حرب أكتوبر عام 1973م التي أبلى فيها المغاربة بلاء يشهد له القاصي والدّاني.

وطالما أكد المغاربة – وفق بيان المؤتمر- أنّ فلسطين هي قضيّة الأمّة جمعاء، وأنّ لها في قلوبهم مكانة لا تطاولها أيّ مكانة على الإطلاق، ورفضوا التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل مطلق، وطالبوا حكوماتهم برفض الاتفاقيات التطبيعية معه، وعدم الاستجابة للضّغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكيّة، إذ إنه كيانٌ محتلّ غاصب وهو معادٍ للأمّة كلّها وليس لفلسطين وشعبها فقط، ولا يمكن أن يكون هذا الكيان الغريب الدخيل صاحب حقّ في الوجود أو في إقامة دولته المزعومة على أرض فلسطين ولو اعترف العالم كلّه بهم، فأيّ اعترافٍ بحقٍّ للكيان الصّهيوني في أرض فلسطين هو اعترافٌ باطلٌ شرعًا وقانونًا ويتنافى مع أبسط قواعد الأخلاق وحقوق الإنسان، ولم يتوقف أبداً وقوف الشعب المغربي مع فلسطين، فهو مستمر إلى اليوم.

وبعد عملية “طوفان الأقصى” يخرج أبناء المغرب دعماً للمقاومة، وتثميناً للمعركة التي أعادت القضية الفلسطينية لمسارها الكفاحي التحرري، ولمواجهة العربدة الصهيونية الانتقامية، التي تخلف عدداً كبيراً من الشهداء المدنيين، ودماراً هائلاً في قطاع غزة، معيدين توجيه نداءاتهم للدولة المغربية للتراجع الفوري عن التطبيع مع الكيان الصهيون، وإلغاء كل المعاهدات والاتفاقيات الناتجة عن هذا التطبيع.

إذ أصبح رفع شعار “رفض التطبيع” استفتاء واضحاً على الرفض الشعبي لكل تنسيق مع الاحتلال، وفق قول محمد الرياحي الإدريسي، منسق الهيئة المغربية للدعم والنصرة.

التطبيع سقط شعبياً

لا شك أن هذه الحرب الوحشية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة قد أحرجت الحكومات المطبعة أمام شعوبها، ما دفع بتلك الحكومات لاتخاذ خطوات عديدة ومتفاوتة التأثير، وأدى ذلك وفق رأي الرياحي إلى تراجع مستوى التطبيع خلال هذه المرحلة من الحرب، فقد ساهمت في مطالبة كيان الاحتلال رعاياه بمغادرة المغرب، كما باقي الدول العربية التي تعرف مستويات من التطبيع معه، وذلك لانشغال سلطات الاحتلال بهذه الحرب التي منيت فيها بخسارة كبيرة، على المستويين الحربي والأخلاقي.

وقد عبّرت الرباط في أكثر مناسبة عن قلقها البالغ من استمرار الأعمال العسكرية وتدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الخطوات التصعيدية الإسرائيلية “تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة وتنذر بتمدد الصراع واتساع رقعة العنف بشكل خطير”، ومنددة في الوقت ذاته بتقاعس مجلس الأمن والدول المؤثرة في القرار الدولي وعجزهم عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي.

كما أن العديد من الدول اتخذت خطوات عدة تجاه الكيان الصهيوني، ولا سيما الدول المطبعة معه، فقد استدعت الأردن سفيرها لدى الكيان الإسرائيلي، وعلقت البحرين علاقاتها الاقتصادية مع تل أبيب، لكن كما يقول طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في تصريح لجريدة “هسبريس الإلكترونية”: إن الفلسطينيين يرونها خطوات “غير كافية”، مبيناً أن المطلوب هو فك الارتباط بالكيان المحتل، وبالاتفاقيات الموقعة معه، ومضيفاً إن “المملكة المغربية بدوها مُطالبة بأن تتخذ خطوة ما، رداً على جرائم هذا الاحتلال في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وإجراءاته المتواصلة التي تمس بمكانة المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين”.

وأشار أبو ظريفة إلى أن “أي علاقة مع دولة الاحتلال هي تغطية على هذه الجرائم، واتخاذ أي موقف في الوقت الحالي، وخاصة من الدول العربية المؤثرة، التي لها وزن سياسي في الساحة العربية والدولية، من شأنه عزل دولة الاحتلال والضغط عليها من أجل وقف هذه الحرب الدموية، تمهيدا لمحاسبتها على خروقاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن كل الدول العربية يجب أن تتوحد حول موقف واحد للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إمداداتها العسكرية واللوجستية إلى “إسرائيل”.

“التطبيع سقط شعبياً، وبقي أن يسقط رسمياً، حتى يكون هناك تناغم وانسجام بين الرسمي والشعبي”، هكذا وصف أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، التعاطي الشعبي مع القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن “المسيرات المليونية والوقفات اليومية التي تنظم بالبلاد، دليل على سقوط التطبيع، وأن كل يوم يمر مع بقاء هذا التطبيع، هو إهانة للشعب المغربي”، إذ إن أبرز المطالب التي ترفع في المظاهرات، هي إسقاط التطبيع، ومحذراً من استمرار “المراهنة على هذا التطبيع، لأن /إسرائيل/ خطر على المغرب وباقي الدول العربية والإسلامية الأخرى، وإن الرهان عليها هو رهان أثبتت الأحداث فشله”.

ففي وقفة أمام البرلمان المغربي احتفاء بعملية طوفان الأقصى قال ويحمان: “إن الوقفة تريد بعث ثلاث رسائل أولها، أن الشعب المغربي يبارك هذا النصر العظيم، وأنه كان ولا يزال يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، أما الرسالة الثانية فهي أن نتائج الساحة تعطي أكلها، وأن ما حدث اليوم هو خطوة للتحرير الكامل وبداية النهاية للكيان الصهيوني، والرسالة الأخيرة موجهة إلى المطبعين لنقول لهم إنهم شركاء للكيان الصهيوني في الجرائم التي يرتكبها كل يوم، وإن “إسرائيل” التي يعتمدون عليها لا تستطيع الدفاع عن نفسها أمام المقاومة”

أنصار التطبيع أعداء الأمة

يشهد المغرب صراعاً عنيفاً منذ بدء الحرب الصهيونية على غزة، فالمسيرات الداعمة للشعب الفلسطيني والمطالِبة بطرد ممثل تل أبيب في الرباط مستمرةً ومتزايدة، وفي الوقت ذاته دعاة التطبيع يجهدون لتأكيد ولائهم للكيان الصهيوني دون مراعاة لمشاعر أغلبية الشعب المغربي، الذي يرى في الرد الرسمي ببيانات التنديد والتأسف، خيانة لآلاف الضحايا في قطاع غزة.

فقد وجّه مقدم البرامج الإذاعية المغربي رضوان الرمضاني انتقادات لاذعة إلى المغاربة عقب مسيرة داعمة للمقاومة الإسلامية وللشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع الجرائم من قبل الصهاينة، كما أعلن عن تشبثه بالدفاع عن التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم كل المجازر والمذابح التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً بين المغاربة، وصل بهم إلى مهاجمته بكل الأشكال وعلى المنابر المتاحة كافة، ورددت خلال مسيرة الرباط الداعمة لغزة، شعارات تندد به وبمالك صحيفة “الأحداث المغربية” أحمد الشرعي على خلفية مقال له بعنوان “كلنا إسرائيليون”.

إنّ مواقف من هذا القبيل تقف ضد الرغبة الجمعية بشكل منفّر ومستفز، دفع بالمغاربة إلى تخوين أصحاب تلك المواقف، فرئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، اتهم الشرعي بأنّه عضو في مجلس الإدارة في منظمة جيس الصهيونية العالمية، التي يرأسها عقيد في جيش الحرب الصهيوني اسمه عيران ليرمان، مشدداً على أنّ ما يقوله الرمضاني هو ترديد لتعليمات الصهيوني ليرمان تحت إشراف السلم الإداري.

لكن “النقابة الوطنية للصحافة المغربية” كان لها رأي مخالف، إذ عبرت عن تضامنها مع الرمضاني والشرعي في بيان لها، على خلفية ما وصفته بـ “حملة للتشهير ضدهما”، مصنّفة ما جرى تحت مسمى “حرية الرأي والتعبير”، وأنها يجب أن تكون مكفولة لجميع الأطراف، ويجب حمايتها.

فهل ترضخ الحكومة المغربية لتطلّعات المغاربة الراغبين بإنهاء الوجود الصهيوني في الحياة المغربية بكل أشكاله..؟ أم سيكون الرمضاني والشرعي، وأشباههما أصحاب الأثر الأكبر في الفصل الأخير من قصة التطبيع؟.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة نقلت حرفيا من المصدر