إيناس عبدالوهاب الشهاري

لا تغمض يا ولدي عينيك، لا تقُل أن المناظر ستؤذي مشاعرك المرهفة وأنك لن تقوى على مشاهدة الأشلاء الممزقة، وأن رؤوس الأطفال المقطعة ستصيبك بالهذيان، وأن مشاعرك الرقيقة لا تسمح لك أن تسمع أو ترى أي مشاهد أو أخبار عمّا يُرتكب من مجازر مروعة في حق أهلنا في غزة، وأنك تريد أن تنام مرتاح البال، لا مشهد يؤرق منامك ولا أحداث، وأنك ستدير ظهرك عن كل ما يحدث من قبل وإلى الآن، حتى لا تعكر صفو أيامك، وتظل تقضي أوقاتك كما يحلو لك ما بين الصحبة والخلان.

فأمُك اليوم تأمرك يا ولدي لا تغمض عينيك.

افتح يا ولدي عينيك. لا تقل ان إبادة شعب العزة لا يعنيك، وأن أوجاع وصراخ الأطفال لا يضنيك ، وأن آلام الشعب الفلسطيني لا تؤذيك .

أفتح يا ولدي عينيك. ولتمعن بالتأمل لكل مشهد وكل مجزرة ارتكبها الصهيوني الجبان، حتى لا تنم عن وجع الأب الحامل أطفاله أشلاءً في أكياس ، عن أسرة بأكملها لم يبقى منها إلا الأطلال ، وعن المذابح المروعة في كل يوم ، وفي كل يوم يرتكب فيها المجرم ما هو أبشع بحق الطفولة والإنسان .

أفتح يا ولدي عينيك. ولتحمل أشلاء الأطفال الممزقة في قلبك ، ولتوقد بها بركاناً في صدرك ، ولتجمع بيديك كل رؤوس الأطفال و لتصنع منها جمرّاً متقدّاً من نار ، ولتزرع كل أوجاع الشعب المكلوم بين ضلوعك ، ولتحمل كل أكفان الشهداء بين ذراعيك ، ولتجعل كل الشظايا والأشلاء تتطاير أمام عينيك ، ولتبني من دمار وركام البيوت المهدمة صرحاً ، لتجعله منصة صواريخ وراجمات ومُسيرات، عنوانها لا خنوع ولا استسلام ، ولتفهم أن وعيك هو العنوان، ولتَبقي مسامعك تنصت لأنين الجريح وصراخ المحاصر والمسجون خلف القضبان، لا ذنب له سوى أنه يريد أن ينتزع حقه في الحياة بحرية ، ويعيش دون أن تدنس الوحوش البشرية كرامة الإنسان، ولترفع يا فلذة كبدي رأسك، ولتربط يا قطعة من فؤادي جأشك ، ولتصنع مجدك ، ولتكن لبنة في صرح شامخ، لا يعرف الاستكانة أو النسيان، ولتعرف أن الوعي هو العنوان .
ولتجعل من دموع المجروحين لك بحرا، ومن جلود الجرحى شراعًا، ولتُبحر لتصل إلى من صنعوا المجد لعروبةٍ كادت أن تطوى في ذاكرة النسيان ، لتشد يديك مع أياديهم ولتطلب العزة من ربك، لتكن المدافع معهم عن كل الأمة وعن الماضي وعن الحاضر والمستقبل وعن الأوطان، ولتطلب منهم أن يصنعوا من جسدك صاروخًا، وليقذفوا بك قبل الجاني على الحقراء من العربان، من ركعوا وجعلوا من بلدي العربية جسرًا ليصل بها الجاني المتوحش إلى الأوطان، من فتحوا له بكل حقارة أبواب التطبيع، من باعوا الأرض مع الإنسان ، ولتكن صاروخا على من جعلوا وجوههم مداسا لدول الاستكبار، ولتكن مُسيراتٍ على من برروا وأباحوا للصهيوني الاستفحال بالإجرام .
ولتنصت لي يا ولدي ولتعرف أني أُمك وأنك أغلى من روحي، ولكني أريدك أن تفهم أن تحيا عزيزًا على أرضك أو لا تحيا،
وأن يبقى دوما الوعي لك العنوان.

  •  المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع