(موقع قناة”سي نيوز- “CNEWSالفرنسية, ترجمة : أسماء بجاش – سبأ)

يعاني اليمن من صراع معقد منذ خمس سنوات حيث تتداخل فيه القضايا المجتمعية, والدينية, والسياسية والدولية, إذ تدور رحى هذه الحرب منذ صيف العام 2014, حيث يواجه التمرد الشيعي “الحوثي”، حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، التي تتلقى الدعم من قبل التحالف العسكري المنضوي تحت راية المملكة العربية السعودية, حيث خلفت هذه الحرب وراءها عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من ثلاثة ملايين نازح وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن مختلف وكالات الأمم المتحدة.

ولفهم أصول الصراع الدائر في اليمن، يجب أن نعود إلى الوراء بضعة عقود, بالتحديد الفترة التي سبقت العام 1990, عندما كان اليمن, لا يزال عبارة عن كيانين منفصلين, فقد كانت الجمهورية العربية اليمنية هي المهيمن على المناطق الشمالية في حين بسطت الجمهورية الديمقراطية الشعبية الاشتراكية سيطرتها على المناطق الجنوبية.

وبعد إعادة توحيد شطري البلد، واجهت الدولة المركزية صعوبة أكبر في التأكيد على أن العديد من التوترات المجتمعية موجودة بالفعل داخل الكتلتين.

دولة وليدة وغير مستقرة

تتنازع “الأقلية” الدينية الرئيسية في البلد “الزيدية” السلطة في العاصمة صنعاء, إذ تعتبر “الزيدية” أحد فروع الإسلام الشيعي، يدين بها حوالي 40 % من أجمالي السكان في اليمن.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، التف العديد من نشطاء المجتمع الزيدي حول الزعيم الديني “حسين بدر الدين الحوثي” الذي أطلق اسمه لاحقاً على الحركة.

لطالما راود الحوثيون هاجس أنهم مهمشون ومستبعدون من الحياة السياسية والاقتصادية للبلد, وفي العام 2004, قاد الحوثيون احتجاجات كبيرة في محافظة صعدة الواقعة في الجهة الشمالية للبلد, وجهتها الحكومة بعمليات قمع شديد, قتل على إثرها قائد التمرد  “حسين الحوثي” على أيدي قوات الحكومة اليمنية.

استمر التمرد الحوثي في المناطق الشمالية ولم يتوقف, حيث استولوا بشكل تدريجي على عدة مناطق جبلية في شمال البلد، ومن ثم تطور الوضع إلى أن تمكنوا من الانتشار على طول خط الحدود السعودية.

هبت رياح التغيير على المنطقة العربية, عرفت بالربيع العربي, ففي أعقاب حركات التمرد التي جابت تونس ومصر، وصلت رياح الثورات إلى اليمن, حيث اجتمعت جميع الأطراف ضد الرئيس علي عبد الله صالح، الذي تربع على عرش السلطة لأكثر من 30 عاماً, فقد كان على راس السلطة في اليمن الشمالي خلال الفترة التي سبقت إعادة التوحيد.

توالت الاحداث, وانصاع الرئيس صالح الذي خاض حروب عدة ضد التمرد, الحوثي لرياح التغيير, حيث وافق على تسليم السلطة في العام 2012 إلى نائبه في ذلك الوقت “عبد ربه منصور هادي”.

قاد الرئيس هادي المرحلة الانتقالية لليمن, والتي تمخض عنها مقترح تقسيم البلد إلى ستة اقاليم فيدرالية.

بيد أن هذا المقترح الجديد لم يتناسب مع تطلعات المتمردين الشيعة, فقد كان الاقليم الخاص بهم يفتقر لمنفذ بحري, وفي العام 2014, استأنف الحوثيون تمردهم وتمكنوا من دخول العاصمة صنعاء.

تدويل الصراع

في وقت مبكر من العام 2009, لطالما ارق التمرد الحوثي مضجع  المملكة العربية السعودية, حيث بدوا بالزحف صوب المنطقة الحدودية, حينها لم تتوانى القوات السعودية عن شن هجمات عسكرية ضد مواقعهم.

خاضت السلطة المركزية اليمنية ستة حروب ضارية ضد التمرد الحوثي، إلا أن التمرد الحوثي تمكن في نهاية المطاف من دخول العاصمة صنعاء والاستيلاء على القصر الرئاسي, مما دفع بالرئيس “عبد ربه منصور هادي” إلى الفرار صوب مدينة عدن الجنوبية ومن ثم إلى العاصمة السعودية الرياض.

ومن جانبها, أعلنت الحكومة السعودية تشكيل حلف عربي لردع التمرد الحوثي الذين تتهمهم بتلقي الدعم من إيران تحت مسمى عاصفة الحزم, قادت من خلاله حملة جوية عسكرية عنيفة لا تزال مستمرة حتى اليوم.

يرى الباحث الفرنسي من المركز الوطني للبحوث العلمية “لوران بونيفوي” في كتابه ” اليمن من العربية السعيدة إلى الحرب”, أن هذه الأطروحة عن الحرب غير المباشرة بين الرياض وطهران على الأراضي اليمنية تم تطويرها بواسطة العديد من المراقبين, ومع ذلك “إذا كان الحوثيين يبحرون  في مجرة موالية لإيران (…) ليس موضع شك، ولكن فلا يمكن اختصار ينابيع الحرب في اليمن إلى هذا البعد الإقليمي والتنافس بين السنة والشيعة”.

إيضاحات حول الاطراف المتصارعة

يتم فرض العديد من الاشتباكات الأخرى على حيثيات الصراع الدائر بين الحوثيين ودول التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية, أولها يتعلق بملف الجماعات الجهادية في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، حيث استفادوا من بيئة عدم الاستقرار في البلد منذ إعادة توحيده, إذ يعتبر هذا الفرع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر خطورة ضمن الشبكة, فهذا الفرع هو من أعلن مسؤوليته عن الهجوم الارهابي الذي استهدف صحيفة  تشارلي إبدو الفرنسية مطلع العام 2015, بعد أن قام منفذ الهجوم  سعيد كواشي برحلة إلى اليمن.

لم يكن تنظيم القاعدة هو الجماعة الجهادية الوحيدة في البلد, فمع حلول نهاية العام 2014, شهد اليمن أيضاً ولادة تنظيم الدولة الاسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش، الذي تبنى العديد من الهجمات الإرهابية, ففي 24 فبراير، أدى الهجوم الانتحاري المزدوج الذي تبنته الجماعة الإرهابية إلى مقتل 12 شخصاً في مدينة عدن الجنوبية.

وفي الأخير، بالإضافة إلى التمرد الحوثي والفصائل الجهادية المختلفة، تتعرض القوة اليمنية للتحدي من قبل كيان انفصالي في جنوب البلد, فبالرغم من أنها دعمت في البداية الدولة المركزية ضد المتمردين الشيعة، إلا أنها تؤكد اليوم طموحاتها في الاستقلال, فمنذ نهاية يناير من العام 2018,  كان الحراك الجنوبي هو المسيطر على مدينة عدن الجنوبية, مما أضطر الرئيس هادي إلى استنكار عملية الانقلاب من منفاه في المملكة العربية السعودية.

المجاعة والكوليرا تقصمان ظهر البلد

لم يكن الوضع المأساوي الذي يعيشه البلد حكراً على الفترة التي شهدت فيه الصراع, ففي فترة ما قبل اندلاع الصراع تتذلل اليمن مؤشر التنمية البشرية الصادر عن هيئة الامم المتحدة, إذ حصد المركز 160 من أصل 186 دولة, كما لم تبدأ البلد في عمليات التحول الديموغرافي، حيث كانت العديد من المناطق تعاني بانتظام من نقص المياه.

أدت الحرب إلى تفاقم الوضع إلى أن اصبح كارثياً, فالأطراف المتحاربة تعيق  وصول المساعدات الإنسانية، في حين أن ما يقرب من نصف سكان البلد البالغ عددهم 27 مليون نسمة والذين يعتمدون بشدة على الواردات  مهددون بالوقوع في شرك المجاعة, كما تسبب الدمار الذي طال النظام الصحي في بلداً يفتقر بالفعل إلى المياه الصالحة للشرب في انتشار وباء الكوليرا الذي أصاب حوالي مليون شخص في العام 2017, في حين حصد ارواح  أكثر من 2000 شخص.

لا يتم أدراج  ضحايا الجوع والمرض والفقر في عدد الوفيات الناجمة عن الحرب, ومع ذلك، فهم على اتصال مباشر به، لدرجة أن العديد من المنظمات غير الحكومية تتهم مختلف الأطراف بالحفاظ على هذه الكارثة الإنسانية واستغلالها.

المجتمع الدولي بين صفقات مبيعات الأسلحة وإغفال الطرف

بشكل رسمي, لا يقوم المجتمع الدولي بأي مبادرات لوقف الصراع وإبطاء عداد الوفيات، في حين تسلط الأمم المتحدة الضوء بانتظام إلى مشاكل المجاعة أو التي طالت القطاع الصحي, وبالتالي يجب على المجتمع الدولي أن يقول هذا يكفي.

من جانبه, أشار وزير الشؤون الخارجية “جان إيف لو دريان” في نوفمبر 2018, ان في هذه الحرب لا يوجد  فائز.

ومنذ ذلك الحين، التقى صناع القرار في المجتمع الدولي بالعديد من الاطراف المتحاربة من الجانب السعودي، والإماراتي أو إيراني، ولكن دون التوصل إلى وضع حل, حيث لم يتزحزح الوضع في اتجاه السلام الوشيك قيد انملة.

على العكس من ذلك, كشف موقع التحقيقات الاستقصائية “ديسكلوز” لوسائل الإعلام في أبريل 2019, مذكرة صنفت انها “دفاع سري” وجود أسلحة فرنسية في اليمن تم بيعها إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة, حيث تتعارض الأدلة، مثل الصور أو مقاطع الفيديو، مع الرواية الرسمية للحكومة التي أكدت أن الأسلحة الفرنسية لا تستخدم إلا في العمليات الدفاعية الداخلية عن المملكة العربية السعودية.