السياسية:

بعملية متقنة ومعقدة وعلى مراحل، أطلق عليها القائد العام لكتائب القسام اسم “طوفان الأقصى”، تمكنت المقاومة الفلسطينية من توجيه ضربة كبرى للكيان، وذلك بتنفيذ سلسلة من العمليات من البر والبحر والجو وساهم في نجاحها اعتماد الخداع الاستراتيجي والتكتيكي في آن واحد.
أدت في النهاية إلى الإطاحة بالأمن الصهيوني في معظم غلاف غزة إلى حدود 35 كيلومترًا، بعدما تمكنت 7 سرايا باستعداد 1200 مقاتلًا من اجتياح كل المستوطنات والمواقع والثكنات العسكرية المحاذية لغلاف غزة دفعة واحدة.
فتجاوزت إمكانات العدو في مدى 64 كلم (حدود غزة) بنفقاتها المرتفعة (ملياري دولار)؛ واخترقت الجدار المصمم ضد الأنفاق، علمًا أنه بعمق 40 مترًا أو 70 مترًا تحت الأرض، وتبلغ سماكة الباطون فيه 40 سم، وفكّكت الأجهزة المزوّد بها من “سنسورات” وفق أعلى مواصفات التكنولوجيا في العالم، وقد استغرق العمل به من 2017-2022.

ماذا حققت العملية من نتائج تعبويه واستراتيجية؟
وماذا راكمت من حصاد على طريق القدس؟
وما الذي حفرته في الوعي الصهيوني؟
بالإضافة إلى التداعيات والتوقعات المحتملة لعملية “طوفان الأقصى” في هذه الرواية الإعلامية من إصدار مركز دراسات غرب آسيا.

الجذور التأسيسية لعملية “طوفان الأقصى”

لا يمكن قراءة عملية “طوفان الأقصى” إلا من خلال العودة إلى اليوم الذي تلا معركة “سيف القدس” (2021) حيث بدأت المقاومة تُراجع الدروس المستفادة وتعيد صياغة الاستراتيجية الكبرى التي أعدتها وفقًا للعِبر المستخلصة وتقييم الأداء على جميع المستويات (التكتيكي – التعبوي – الاستراتيجي).
وخلال سنتين وأربعة أشهر حافلة بالاختبارات وعمليات دراسة مكونات العقل العسكري الصهيوني بعد سيف القدس، قامت المقاومة بمتابعة معلوماتية دقيقة وصولًا إلى المستوى الذي شهدناه فجر 7-10-2023، في سيف القدس، امتلكت المقاومة الفلسطينية لأول مرة عنصر المبادرة، ما لعب دورًا في تطوير فكرة المبادرة والمباغتة.
وقبل سيف القدس، وخلال مسيرات العودة (2018) اخترق المدنيون السياج بشكل متكرر وتجاوزوا أجهزة المراقبة “الحساسات” وإجراءات الحماية المختلفة، الأمر الذي استفادت منه المقاومة في تطوير فكرة اجتياز السياج. وبالفعل، بدأ عمل التخطيط والتحضير لإسقاط فرقة غزة والسيطرة على المستوطنات. فرسمت المقاومة خارطة طريق جهادية تأخذ الأحداث إلى حيث أرادت المقاومة اليوم، عندما قامت مجموعة من المقاتلين يتراوح عديدها ما بين كتيبة ولواء بإعداد هذه القطعة العملياتية الباهرة.

بداية، أعادت المقاومة ترميم عديدها الذي نزفته في معركة سيف القدس بكادر متجانس ومحترف، ثم أعادت تدوير ما استثمرته من عتاد في معركة سيف القدس وفق ما انتجته قراءة وتقييم الدروس المستفادة، وما استخلصته المقاومة من عِبر. فأدخلت أسلحة جديدة معظمها من النوع الكاسر لقواعد الاشتباك، وأعادت ترتيب طرائق القتال وعناصر المناورة (بالنار – وبالنار والحركة)، وصاغت خلال 29 شهرًا منهجًا لمنازلة الكيان وفق الشروط الثلاثة التالية:

-عدم قطع الاشتباك مع العدو، وتولت الضفة الغربية تحقيق هذا الهدف.

-العمل على تحقيق الهدف الأقصى وهو التحرير.

-تثبيت فكرة أن العدو صاحب القوة الغاشمة لديه من الثغرات والنقائص ما يجعله قابلًا للهزيمة، وتعميم هذه الفكرة لدى جميع الفلسطينيين في الداخل والشتات.
وقد اتكأت المقاومة خلال فترة التحضير على عنصرين ماديين أساسيين: الإعداد والتجهيز ورفع كفاءتهما إلى أعلى مستوى ممكن. ويمكن إيجاز الجذور التأسيسية في النقاط التالية:

أولًا، من الأسود المنفردة إلى خيار الضفة المشتبكة:

بداية، وخلال التحضير لإمساك الضفة الغربية راية “عدم قطع الاشتباك مع العدو”، اعتمدت المقاومة على ظاهرة الأسود المنفردة في عمق كيان العدو، وخلال 6 أشهر أفقدت العدو توازنه وخلخلت تفكيره وإجراءاته التخطيطية لاستيعاب الظاهرة، وكلنا يذكر عمليات (يافا- بني براك – الخليل – ديزينغورف – القدس – حاجز مخيم شعفاط …الخ)، وغيرها من العمليات التي جعلت رأس العدو سريع الدوران ولكن بغلّة فارغة.

في المرحلة الثانية، أطلقت المقاومة العمل المسلح الفردي والجماعي في الضفة الغربية المحتلة معتمدة على (جنين – طولكرم – اريحا – نابلس)، فشهدنا عمليتي جنين وآخرهما عملية بأس الأحرار، وشهدنا مواجهات الحارة القديمة في نابلس وتصديات طولكرم وعمليتي أريحا التي أذاق فيها المجاهدون الويل لوحدات النخبة الصهيونية التي كانت تنهزم دائمًا أمام إرادة القتال والروح المعنوية العالية للمقاومين.

ثانيًا، تثبيت قواعد منظومة “وحدة الساحات” المفردة والجماعية:

مع كل تطور في الإنجازات، كانت تظهر بوضوح علائم التنسيق المعلوماتي بين جميع أركان المحور من (أسلوب القيادة والسيطرة – إلى إدارة المناورة بالنار – إلى دراسة ردات فعل العدو وكيفية التصرف وجره إلى ردات فعل متوقعة – إلى فرض استراتيجيات عدم الخروج عليه، تسمح بحرمانه حتى من الادعاء بالنصر في المعارك الثلاث الكبرى التي شنها وهي “وحدة الساحات” و”ثأر الأحرار” في غزة، و “بأس الأحرار” في جنين.

وفي اختبار محور المقاومة لظروف المعارك غير الملائمة في المرحلة الافتتاحية، تمكن مجاهدو سرايا القدس منفردين، يؤازرهم معظم عناصر المحور مجتمعين كاحتياط، وفي مناسبتين متفرقتين من تحقيق إنجاز باهر في عمليتي “وحدة الساحات” و “ثأر الأحرار”، واستطاعت غرفة عمليات فصائل المقاومة من إدارة عملية مناورة كبيرة بالنار في أوقات لم تتعدّ الـ 100 ساعة.

ثالثًا، عملية الخداع الاستراتيجي:

طبّقت كتائب الشهيد عز الدين القسام في طريقها من معركة “سيف القدس” إلى معركة “طوفان الأقصى”، سلسلة من عمليات الخداع التكتيكي والتعبوي التي راكمتها يومًا فيومًا وحدثًا فحدثًا، حتى ظنّ العدو أن الكتائب أصبحت راضية بحالة الستاتيكو التي اعتقد ساسة العدو أنهم استطاعوا فرضها على كتائب القسام، فيما كانت الكتائب تحقق الإنجاز تلو الآخر في حرب المخادعة التي صدّقها العدو، حتى ركز كل جهده على سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية، التي تقصدت كتائب القسام أن توحي له أنها تعمل كخزان للاستشهاديين فقط في الضفة، ومن أبرز عمليات الخداع:

-التركيز على القيادات التي تدير عمل القسام في الضفة الغربية دون غيرها في غزة.

-الإيحاء للعدو بأن هناك انقسام داخل غرفة الفصائل في غزة.

-عدم الانجرار إلى ردات الفعل التي كانت تحاول قيادات العدو العسكرية جذب كتائب القسام إليها، من خلال 11 استهدافًا مدفعيًا وجويًا لنقاط رصد ميداني تابعة للقسام.

-التركيز على الإنجازات الدعائية والاستعراضية التي تحقق خداع العدو بأن القسام لا تريد حربًا في الوضع الراهن، وتأكيد ذلك من خلال إقناع العدو بأن الكتائب في صدد بناء بنية عسكرية في لبنان.

-معاودة تنظيم مسيرات العودة وكسر الحصار على سياج غزة والتي كانت أكبر عمليات الخداع للعدو، حيث أن مخططو القسام وضعوا خلال الأسابيع الأربعة التي اعادوا فيها إحياء تلك المسيرات الشعبية المدنية فيما كانت وظيفة المخططين القساميين ميدانيًا وضع آخر التعديلات على خطتهم التي أطلقوها صبيحة يوم السبت 7-10-2023.

-الصمت الهادر الذي مارسه قياديو حماس وكتائب القسام خلال الصيف، واقتصروا فيه خلال عمليات التصريح للإعلام على شخصيات تم اختيارها جيدًا لإيصال الرسائل ولإيهام العدو أن من يعتبرهم “مشاغبين” قد تم تحييدهم.

رابعًا، الاستفادة من حالة الانقسام لدى العدو:

أثرت حالة الانقسام الداخلي لدى العدو على الجيش الصهيوني بشكل كبير، فتحول إلى جيش محترف شبه مقطوع الرأس، فتعززت لا مركزية قيادة المناطق في الجيش وأصبحت كل منطقة تدير قطعة من هذا الجيش حسب رأي وهوى قائدها، وقدّر الباري أن قائد منطقة وفرقة غزة “نمرود آلوني” هو القائد الفعلي الذي يخبَره قادة المقاومة كما يخبرون راحة كفهم، فهم خاضوا معه 5 حروب في لبنان وفلسطين، ويفهمون كيف يتصرف وكيف يخطط وأدق التفاصيل عنه. كما أثرت حالة الانقسام على حالة الحافزية والاستعداد والرد المرن والسريع لدى قطعات كبيرة في هذا الجيش، مما عاظم مصيبته لدى أول اشتباك له فجر اليوم مع المقاومين.

عملية “طوفان الأقصى”

أولًا، في الأسباب:

جاءت العملية في ظل سكوت العالم الدولي والغربي على سياسات العدو في الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، والعزم على ذبح البقرات الحمر، والتقسيم الزماني والمكاني، والتعرّض للمصلين من الشيوخ والنساء والأطفال بالضرب والسحل، وعدم التحرّك لوقف سياسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين الأسرى من القتل البطيء والمتعمد، ناهيك عن الحصار الشديد الذي يعيشه القطاع. لذا، كان من أهداف العملية الضغط لوقف الاستيطان في غزة، وتحرير الأسرى، وإيقاف انتهاك حرمة المسجد الأقصى. أضف إلى الأسباب مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي وتأثيره على العالم الإسلامي، ودخول القبة الحديدية ليزر، “الشعاع الحديدي”، العمل في 2024، وهي عامل قلق لاستراتيجية الصواريخ.

ثانيًا، في المخطط:

هي عملية سرية بامتياز، قاد التخطيط لها القائد محمد الضيف، وكان لدى القيادة السياسية لحركة حماس وحزب الله والحرس علم وخبر بالتحضير دون التوقيت أو إمكانية التنفيذ أو إمكانيات النجاح. وفي إطار التجهيز السري لها، قررت حماس الدخول للمستوطنات وخصصت 6 كتائب كوماندوس لتطهير الغلاف. تم تجهيز 1200 استشهادي للعملية ممن أقسموا على الشهادة وعدم العودة. وقد توزّع المهام بين هؤلاء؛ بحيث يبقى 400 مقاومًا في الداخل بهدف مشاغلة العدو ومنعه من الدخول إلى غزة، بينما يخرج البقية ويعودون إلى مراكزهم. وقد شارك في العملية عدد من أبناء القادة. كان التوقّع أن تسقط المواقع العسكرية في الليل بعد ساعات طويلة من الاشتباك، لكن المفاجأة أنها سقطت خلال ساعة واحدة. ما كانت سرعة الانهيار للجيش العسكري الإسرائيلي متوقعة، ولم يكن سبب الانهيار حصرا بالخطة وإنما هو ناجم عن الواقع الميداني وطبيعة سير العمليات على الأرض. مع بدء القصف، بدأ جنود الجيش الهرب إلى الملاجئ، حتى أنهم تركوا أسلحتهم في بعض المواقع. وبطبيعة الحال، فإن الانهيار غير المتوقع تترتب عليه نتائج سياسية وعسكرية مختلفة عما لو بقيت العملية محدودة النتائج في إطارها الطبيعي.

ثالثًا، في التوقيت:

تناسب الاختيار مع الظروف المحيطة بعدما تأجلت أكثر من مرة. وهذه المحطات هي:

المحطة الأولى: توفرت الجهوزية في نيسان 2023، لكن حصل التريّث بسبب انتظار نتائج الأزمة الداخلية اليهودية تجنّبًا لتوفير سبب لتوحيد اليهود.

المحطة الثانية: مع شهر تموز 2023 نشأ توجّه نحو الخطة الهجومية، لكن نتيجة أزمة حجة المعقولية وظهور بوادر تنازل من نتنياهو أمام المحكمة والذهاب إلى التوافق أجّل موعد تنفيذ الخطة.

أما فجر السابع من تشرين الأول، موعد العملية، فقد اجتمعت فيها بعض المزايا:

فجر ليلة الاحتفال اليهودي.
المواقع خالية من الجنود وفق معلومات استخباراتية.
معلومات حول عمليات واسعة بعد الأعياد لاغتيال قيادات حماس والجهاد في الدخل والخارج وبعض العمليات الخاصة في المحور.
رابعًا، في التنفيذ:

عند الساعة السادسة والأربعين دقيقة من صباح يوم السبت 7-10-2023، بدأت مجموعات من كتائب الشهيد عز الدين القسام الهجوم؛ نخبة أسلحة البر والجو والبحر وسلاحي الهندسة وضد الدروع في كتائب القسام ومجموعات الاعلام العسكري الذين وثقوا العملية من البر والبحر والجو. خرجت خمسة زوارق؛ في كل منها 25 مقاتلًا، تم استهداف أربعة منها بينما استطاع الخامس الدخول إلى أسدود. كانت العملية على 3 مراحل: المرحلة الأولى: العبور والتحرير

المرحلة الثانية: محاولة الوصول إلى عسقلان وبئر السبع (المدن الكبرى).

المرحلة الثالثة: انتشار استشهاديين في المدن القريبة بحيث يختفون كخلايا نائمة بدون اتصال معهم.

في المرحلة الأولى، بدأ قصف تمهيدي هجومي مركز استمر لأكثر من 20 دقيقة، أطلق خلاله 5000 صاروخ وقذيفة على مستوطنات ومواقع وثكنات غلاف غزة. وتم فتح 35 ثغرة في السياج. واستطاع المقاتلون خلال ساعتين الإطباق على 14 مستعمرة وموقعًا وثكنة عسكرية وتطهيرها بالكامل. وفي حين كان مقررًا الدخول حوالى 5-10 كلم، تقدّم المقاومون إلى 30 كيلومترَا.

عند انتهاء المرحلة الأولى من الهجوم، أطلقت كتائب القسام وفصائل المقاومة المرحلة الثانية من العملية بعد ساعتين ودخلت حركة الجهاد الإسلامي وبقيّة الفصائل الغزاويّة. تقدم المئات من أفراد الكتائب بواسطة سيارات نقل ودرجات نارية إلى المواقع والثكنات والمستعمرات المحررة. وعند الساعة العاشرة، سقطت الفرقة الصهيونية والمستوطنات، وأسقط المقاومون 700 كلم مربع في اليوم الأول من الهجوم، كما تمكنوا من إجلاء عدد كبير من الأسرى الأحياء والأموات، وعلى رأسهم قائد فرقة غزة الجنرال نمرود آلوني، الذي تم أسره وعناصر حراسته من منزله في مستعمرة أوفاكيم. وقد دخلت مجموعات من حماس بلباس الشرطة والجيش الصهيوني. لم تنجح أهداف المرحلة الثانية لعقبات، لكن وصل البعض إلى عسقلان وأوفاكيم وبئر السبع.

تسببت العملية السريعة والخاطفة وضرب معظم عناصر منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات في فرقة غزة، بعمى تام لجيش العدو، كما تسببت بتحييد سلاحي الجو والمدفعية. بدت الصدمة من خلال انعدام ردات الفعل لدى كبار جنرالات العدو، فضلًا عن أعضاء الكابينيت الصهيوني الذي كانوا يفتقدون أي تصور فعلي للواقع خلال أكثر من 6 ساعات متواصلة. منذ بدء العملية في السادسة والأربعين دقيقة حتى الساعة الحادية عشر تقريبًا (10:30-11:00) لم يتحرّك الطيران الجوي الصهيوني. خلال هذه الساعات، بقي العدو غير قادر على التحرك ما سمح لأهالي غزة كفصائل ومواطنين بالدخول للمنطقة والتحرّك فيها بطريقة عفوية وغير منظمة. ومع بدء الإسرائيلي إغلاق المداخل عند السياج، سقط حوالى 200 شهيدًا من المدنيين.

ردود الفعل في كيان العدو

تتالت ردود فعل السياسيين والمسؤولين وتوزّعت على الشكل التالي:

أولًا، ردود الفعل في الحكومة:

لدى ظهوره عند الساعة الثانية عصرًا، وفي أول تعليق له على عملية “طوفان الأقصى”، قال رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعد جلسة تقدير وضع؛ عقدها في وزارة الأمن: “نحن في حالة حرب، وليس في عملية ولا في جولة قتال، نحن في حرب، شنت حماس هذا الصباح هجومًا مفاجئًا ضد دولة إسرائيل ومواطنيها، منذ الصباح عقدت اجتماعًا مع قادة المؤسسة الأمنية وأمرت بتطهير البلدات من المخربين، هذه العملية تنفذ في هذا الوقت وبموازاة ذلك أمرت بتجنيد احتياط واسع، العدو سيدفع ثمنًا لا يتصوره”. وكشف نتنياهو أن حكومته ستعقد جلسة استثنائية عند الساعة 17:00 عصرًا.

وقد استمر الإرباك حتى ما بعد الظهر، حيث بدأت طائرات العدو العامودية استهداف بعض ابراج الرصد، وفي الوقت الذي كان فيه شعب غزة يحتفل بمجاهديه العائدين بأسراهم وغنائمهم، لوحظت عمليات فرار جماعية من المستعمرات التي تلي غلاف غزة، ولاحقًا أخلت الجبهة الداخلية المستعمرات والمدن الجنوبية بعمق 35 كيلومترًا من غلاف غزة، وجرى نقلهم على عجل إلى مناطق إيواء آمنة. وفي ما يلي أبرز المواقف بإيجاز:

-أطلع السكرتير العسكري لنتنياهو، رئيس المعارضة يائير لابيد على الوضع، وقال إن كيان إسرائيل في حالة طوارئ، وتقرر حصول لقاء بين نتنياهو ولابيد بعد اجتماع الكابينيت.

-أبلغ لابيد السكرتير العسكري لنتنياهو أنه يقدم الغطاء لاي رد عسكري شديد.

-أعلن مكتب وزير الأمن أنه يتلقى تحديثات منتظمة حول الأحداث الأمنية، وسيجري تقييمًا للوضع مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية.

-أعلن وزير الأمن عن تجنيد واسع للاحتياط.

-أجرى رئيس الأركان جلسة تقدير وضع في وزارة الأمن.

-أعلن الناطق بلسان الجيش الصهيوني أن حركة حماس نفذت عملية مشتركة شملت إطلاق قذائف صاروخية وتسلل مقاتلين إلى الأراضي المحتلة، وأضاف أن الجيش الصهيوني سيحمي سكان كيان إسرائيل، وأن حماس ستدفع ثمنًا باهظًا جدًا.

-أعلن الجيش الإسرائيلي عن وضع الاستعداد لحرب (الاعلان عن الحرب من صلاحيات الكابينيت)

-أعلنت قيادة الجبهة الداخلية حالة الطوارئ من حدود قطاع غزة حتى منطقة غوش دان.

-هدد مسؤول في الجيش الصهيوني بأن كل مسؤولي حماس ستتم تصفيتهم في الحرب.

-حذر وزير في حكومة العدو من أنه “يوجد احتمال معقول أن يكون الحادث في الجنوب مجرد إلهاء عن حرب في الشمال”، وأضاف أنه “من غير المستبعد أن يتم جذب الجيش الصهيوني إلى الجنوب حتى يتمكنوا من توجيه ضربة قوية وأكثر إيلامًا في الشمال، يبدو الأمر وكأنه حدث استراتيجي مخطط له بقيادة إيران، وهذا وضع لم تشهده كيان إسرائيل منذ عشرات السنين”.

-جاء في بيان مشترك لقادة المعارضة يائير لابيد، بني غانتس، أفيغدور ليبرمان، وميراف ميخائيلي: “نحن جميعًا متحدون في وجه الإرهاب وعلينا أن نضربه بيد قوية وحازمة، في مثل هذه الأيام لا توجد معارضة أو ائتلاف في كيان إسرائيل، سنقدم الدعم الكامل لقوات الأمن لرد حاد وقاسٍ ضد التطرف ورسله”.

-أعلن الناطق باسم الجيش الصهيوني البدء بعملية “السيوف الحديدية” ضد حركة حماس في قطاع غزة، وأضاف أن قادة كبار من الجيش الصهيوني توجهوا إلى منطقة العمليات.

ثانيًا، ردود فعل الخبراء والمعلقين الصهاينة:

-انتقد معلقون صهاينة المتحدثين باسم الحكومة الذين ينتقدون الجيش الصهيوني وأجهزة الاستخبارات، ودعوهم لأن “يُغلقوا أفواههم” لأن كيان إسرائيل الآن في حالة حرب.

-انتقد معلقون آخرون الجيش الصهيوني، وقالوا إنه بعد ساعات من بدء الحرب في المؤسسة الأمنية والعسكرية “لا يفهمون ما الذي يمثُل أمامهم”.

-قال معلقون إن مستوى القيادة الأرفع للجيش الصهيوني لا يعرف ماذا يفعل حتى الآن.

-استهزأ معلقون بالجيش الصهيوني وقالوا “يبدو أن قوات فرقة غزة تبخرت”.

-وصف معلقون الجيش الصهيوني بأنه “جيش عدم الدفاع عن كيان إسرائيل”.

-دعا معلقون صهاينة وزير الأمن ورئيس الأركان للاستقالة فورًا.

-أشار معلقون إلى أن مسؤولي حماس موجودون عميقًا في المخابئ، خشية من رد الجيش الصهيوني، لذلك سيكون من الصعب تنفيذ تصفيات نوعية، فيما “العدو مستعد”.

-ذكّر معلقون صهاينة بكلام سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله قبل سنوات، عن خطته لاقتحام الجليل بواسطة قوة الرضوان، والسيطرة على أراض ومستوطنات أثناء إطلاق صواريخ، وأضافوا أنه يبدو أن حماس تبنت الخطة.

-رأى معلقون أن حركة حماس لن تشن هجومًا كالذي بادرت إليه، من دون تغطية من إيران وحزب الله، وأضافوا أن حماس نسقت تحركاتها مع حزب الله وإيران في اجتماعات في بيروت وطهران في الأسابيع الأخيرة.

-رأى معلقون أن حركة حماس استعدت للحدث بشكل جيد، فهذا الهجوم يتطلب تخطيطات وثقة وكفاءة تشغيلية وخداعًا استخباريًا وقدرة على القيادة والسيطرة.

-نبّه معلقون إلى أن كيان إسرائيل ينتظرها أيامًا معقدة وصعبة أكثر مما شهدته هذا الصباح.

-دعا معلقون للتأكد من ألا يتسع الهجوم إلى لبنان أو سوريا.

-قال معلقون إن حركة حماس انتصرت في هذا الحدث، فواقع النجاح في مفاجأة أفضل الاستخبارات في العالم والسيطرة على حدث لعدة ساعات لن يمحى بسرعة من وعي لاعبين في المنطقة.

-أشار معلقون إلى أن ظهور عناصر حماس بوجوهٍ مكشوفة داخل المستوطنات، وحرصهم على إرسال مادة مرئية كثيرة إلى غزة من داخل الأحداث، سببه أنهم يدركون أن هذا يشكّل سلاح وعي كاسر للتوازن.

-أكد معلقون أنه يوجد في هذا الهجوم “مفاجأة استخبارية”، وأضافوا أنه “عندما يتم مفاجأتك، يوجد ثمن باهظ”.

-ردة فعل الجمهور الصهيوني كانت عنيفة جدًا وتتراوح بين الغضب على عدم كفاءة جيشهم وبين السخرية والاستهزاء وقد سجلت مواقع التواصل الاجتماعي عددًا كبيرًا من ردات الفعل نذكر منها:

-هذا الصباح صعب، حماس أعلنت الحرب على كيان إسرائيل

-ضربة حماس الافتتاحية هي إعلان حرب على كيان إسرائيل:

-بعد 50 عاما من حرب يوم الغفران، كيان إسرائيل تفاجأت (مرة ثانية).

-ما يجري هو مشاهد حرب شوارع.

-السكان في المستوطنات خائفون ومصدومون ومحبطون.

-نفذت حماس السيناريو المرعب الذي كان متوقعًا من الساحة الشمالية أيضًا.

-ما حصل هو فشل مخزٍ.

-الجيش الصهيوني غفى أثناء نوبة الحراسة.

-في الجيش الصهيوني لم يعلموا شيئا ولم يستعدوا لشيء.

-ما حصل لم يكن أحد محضرًا له ولا حتى يتوقع حدوثه.

-الحدود سائبة، مقاتلو حماس يخرجون من غزة بآليات ويعودون إليها، والجيش الصهيوني اختفى.

-كيان إسرائيل فوجئت بتوقيت العملية وبحجمها وبمستواها.

-المستوى القيادي للمؤسسة الأمنية يجب أن يتم اقالته.

-المستوطنون يتهمون الجيش بأنه تخلى عنهم.

-تساؤلات عن سبب عدم استخدام “إجراء هنيبعل” لمنع خطف أي جندي.

-السؤال الأكثر ترددًا من قبل المراسلين والمستوطنين: أين الجيش “الصهيوني”.

الحصيلة الأولية حتى ليل 11/10/2023

-تمّ إطلاق 10000 صاروخ من غزة، 163 صلية.

-أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن 1055 شهيد، مدنيين وعسكريين.

-يوجد 300 شهيد في مناطق المواجهة خارج غزة.

4- شهداء من أعضاء المجلس العسكري.

-أغلب الشهداء هم من عوائل الشهداء وإخوتهم وأقاربهم.

-الأمريكي أعلن عن 22 قتيلًا وعدد من الأسرى.

-انهيار 1009 مبان في غزة.

-نفّذ الجيش الصهيوني 525 غارة جوية، ألقى خلالها 6 آلاف طن من المتفجرات.

-أعلن العدو عن 169 قتيل عسكري و2900 جريح.

-العدد الكلي لقتلى العدو بحسب إعلان العدو هو 1200 قتيل من 26 جنسية مختلفة، ويحتمل أن العدد 2000 قتيل.

-هناك 700 مفقودا للعدو.

استجابة الدول العربية (السعودية-مصر- الإمارات) للدخول الأمريكي

انهار الكيان معنويًّا، وازداد الخوف من دخول حزب الله المعركة واستهداف قواعده الجوية بما تنخفض فعاليتها بـ 60%، لذلك كان ينسق مع قبرص لإيجاد بديل لمطاراته، ومع التدخّل الأمريكي تشكّل حاملة الطائرات البديل للقواعد الصهيونية إضافة إلى القواعد الأمريكية في الأردن وتركيا. أنشأ الأمريكي مقر سنتكوم في مصر لإدارة الحرب مباشرة. وتم إغلاق معبر رفح، وطلبت مصر من كيان إسرائيل قصف المعبر. يعيش الرئيس السيسي حالة قلق من المجتمع المصري لاسيما مع اقتراب ذكرى أكتوبر والاستحقاق الانتخابي وإمكانية التجمع والتظاهر بحجة الانتخابات. لذا، سمح بتظاهرات يوم الجمعة، 13/10/2023، بالتنسيق مع المقر centcom. وكذلك الأردن حيث يعمل الأمريكي بشكل مكثف، إذ سمح الملك بالتظاهرات بموافقة الأمريكي، لكن حصرًا في العاصمة وليس على الحدود. كما هدد الديوان الملكي العشائر من الاقتراب من الحدود. أما السعودية فهي ترى أن هذه معركة إيرانية موجهة ضدها لمنعها من التطبيع. وكل من الإمارات والسعودية جاهزة لتمويل المعركة لإسقاط حماس (دون الحاجة إلى الكونغرس).

تحليل واستشراف لخيارات حكومة العدو للرد على عملية “طوفان الاقصى”

تتمحور أهداف العدو حول نقاط ثلاث: استعادة السيطرة؛ تدفيع حماس الثمن؛ منع المحور من التدخل. ويمكن القول إن العدو لا يستطيع إلا اللجوء للقوة الغاشمة لإعادة ماء وجهه الذي أريق صباح اليوم. لذا، يجد العدو نفسه أمام 3 خيارات أو آليات لتحقيق أهدافه: القصف الجوي؛ الهجوم البري؛ والتهجير الشامل لسكان قطاع غزة.

حجم الإنجاز يستلزم محاذرة كبيرة من العدو في استخدام القوة، فالعدد الكبير من الأسرى الذين جرى توزيعهم على معظم قطاع غزة يجعل من تحريرهم أمرًا شائكًا ويتطلب دقة عالية في المناورة بالنار، أو قد يتطلب عملية اعدام جماعية لهم من خلال استباحة قطاع غزة بالحديد والنار. وإن أي عملية برية قد يقدم عليها العدو فدونها مشكلات كثيرة وقد تكلفه ثمنًا باهظًا في الأرواح والعتاد ومغامرة بإدخال كل محور المقاومة للدفاع عن غزة المستباحة. وفي مقدم هذه المشكلات والعوائق: 1) تجميع وتنظيم القوات البرية؛ 2) الخوف من الخيار البري لخطورة الهجوم على منطقة عمرانية ذات كثافة سكانية عالية؛ 3) ما تحويه غزة من مبان شاهقة وحاميات وأنفاق وكل منها يشكل تهديدًا للقوات الصهيونية بينما يؤمن للمقاتلين ملجأ ونقطة انطلاق ولأشهر؛ 4) الاضطرار إلى التعامل مع مدنيين هم بالحقيقة مقاتلون؛ 5) الخسائر الفادحة التي قد يتكبّدها العدو الصهيوني؛ 6) انكسار الحاجز النفسي لدى الصهاينة بعد الفشل الذريع الذي حصل.

على الرغم من هذه المخاطر المرتفعة، إلا أن الصهيوني مضطر لإنجاز صورة نصر، وهو ما لا يكون إلا بالدخول البري. لذا، يرجح أن يكون الدخول جزئيًّا، وفي المناطق الخالية، ومحاصرة المناطق السكنية بلا كهرباء ولا ماء ولا انترنت ولا وقود. ومن الممكن أن يسعى إلى السيطرة على المساحة الزراعية المحيطة بالقطاع بحيث يمنع أهل القطاع من الاستفادة منها. من الممكن أن يقوم بعمليات إنزال دقيقة وموضعية لاستنقاذ بعض الاسرى لا كلهم مما يعرض حياة الباقين للخطر. يبقى أمامه تنفيذ عملية كبيرة لعدة أيام يجري التفاوض خلالها على تبادل الاسرى وأمور كثير عالقة، كما أن أي تصعيد في غزة قد يدفع الضفة وربما الخلايا النائمة في مناطق 1948 إلى التحرك وتوجيه ضربات مؤلمة للعدو.

يحاول نتنياهو استثمار ما لديه من الوقت الكافي الذي يؤمنه الغطاء الغربي الشامل له، إلا أنه ليس لديه إلا المغامرة بحرب جوية طويلة يتلقى فيها الطرفان ضربات اقل ايلامًا من اتخاذ نتنياهو لخيار العملية البرية، وقد يكون حل عملية برية استعراضية في منطقة رخوة في غزة هو الخيار الأوحد، فيكون قد حقق مطالب الجمهور واستعاد جزءًا من ماء وجهه المراق، وقد يستعين بالصديق الأمريكي مرة أخرى لتنفيذ اتفاقية مذلّة للتبادل.

رسائل في الردع

كان للمقاومة تقدير مسبق لحجم الجرائم المتوقّعة ومع ذلك دخلت حماس العملية وهي مدركة لقدراتها والثمن المرتفع. الأمريكي يريد تحييد المحور لذا وردت اتصالات كثيرة من الأمريكيين تبلّغ أن أي تدخل من حزب الله سيواجه برد فعل ضد كل المحور بما فيها إيران.

خلاصة واستنتاجات

-ستؤدي العملية بالدفع بحكومة نتنياهو بسبب تعاظم نفوذ المتشددين فيها إلى خيارات انتحارية.

-ستطيح العملية برؤوس كبيرة في المؤسستين الامنية والعسكرية، وتجعل يد هذه المؤسسة التي تعد بمثابة دولة عميقة للكيان المؤقت ضعيفة، مما يحتّم عليها التصرف قبل أن يهاجمها الائتلاف الحاكم.

-المشاهد التي أبدع الاعلام العسكري للمقاومة بتوزيعها حول اذلال الجنود الصهاينة وعاقبتهم خلال عملية “طوفان الاقصى” ستجعل الجنود أكثر جبنًا، مما سيؤثر حتمًا على أي عملية عسكرية مقبلة.

-أي تحريك للعمليات في الضفة والقدس سيؤكد الضعف المنظومي لكيان العدو، ويؤثر حتمًا على أي خيار عسكري سيتخذه باتجاه غزة.

-الذهاب الى حرب مفتوحة مع محور المقاومة غير ممكن بل مستحيل، لأنه سيُدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في القتال وهذا ما تتجنبه واشنطن منذ سنوات، كما أنه غير مأمون العواقب بعدما أبدت جميع عناصر محور المقاومة استعدادها الفوري للدخول في المعركة.

-تداعيات هذه العملية نسفت بالكامل فرصة التطبيع السعودي الصهيوني التي كانت تراهن عليها ادارة بايدن، وهذا ما سيضع خطًا أحمر بين السعودية والتقدم باتجاه التقارب مع العدو، إلا إذا تمّ تبليغها تأمين المخرج المناسب للأطراف المشاركة في الصراع حاليًّا يكون ثمنه دور سعودي وتطبيع مع كيان إسرائيل.

-هذه ليست حرب التحرير، وهي إنجاز كبير ولكنه محدود.

-لم يكن للعدو نية للمعركة البرية نتيجة التجارب السابقة؛ فهو يواجه صعوبة شديدة في هذا الاتجاه، لكن الأمريكي يضغط بشكل كبير عليه، للتعويض عن انهيار الجيش وانكسار الردع عبر إسقاط حماس و/أو استرجاع الأسرى. ويحشد الكيان حاليًّا أربع فرق، عشرة ألوية في مقابل غزة، ولواء كوماندوس والوحدات الخاصة كلها. وهو سيضطر للدخول البري إذا لم يتدخل الحزب أو مصر والأردن أو لم يستسلم الفلسطينيون.

* المصدر: موقع الخنادق
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر